انطلاق حفلة الدم قبل موعدها المنتظر في 30 يونيو وائل قنديل


دم في الفيوم , وآخر يسيل في المحلة , واستهداف للمنقبات و الملتحين في الشوارع و المواصلات العامة -- وكما تقول ' اليوم السابع ' فان معتصمي وزارة الدفاع استوقفوا اوتوبيس نقل عام للتفتيش عن المنتقبات و الملتحين بداخله.

وفي المسار ذاته تندفع فضائيات الدفع الرباعي في الطرق الوعرة لتتحدث بشوفينية عن الاسلاميين الاوغاد المحتلين الغزاة , وتستخدم احط العبارات عنصرية.

لقد بدات فقرات عرس الدم مبكرا , بعد استدعاء وانعاش اقبح ما في الوجود البشري من نوازع غل وكراهية ورغبات في الابادة ولعلك تتذكر تلك البشاعة التي سادت في احداث المقطم في مارس الماضي حين اطلق العنان للتوحش البشري وسط تصفيق حاد واحتفاء رقيع من شاشات وميكرفونات الحرائق.

في المقطم كانت ' جمعة الاستقالة النهائية من الثورة , و الانسلاخ التام من الآدمية , وتشييع الانسانية الي مثواها الاخير -- جمعة الانفلات من البشرية و الغوص عميقا في قاع ' البهائمية ' كانت كما وصفتها في هذا المكان واسمح لي ان استدعي بعضا منه.

' تذكر جيدا كيف اقشعرت جلود المصريين حين اقدم اهالي قرية لبنانية علي سحل وقتل شاب مصري وتعليق جثته علي قارعة الطريق , بعد اتهامه بارتكاب مذبحة اودت بحياة اربعة من اسرة لبنانية في ' كترمايا ' .

في ذلك الوقت انتفض المصريون غضبا علي هذه البشاعة الموغلة في الهمجية , غير ان المصريين بعد نحو ثلاثة اعوام استنسخوا تلك المجزرة وطبقوها بانفسهم علي انفسهم , في الريف وفي الحضر , معلنين التحول مع سبق الاصرار و الترصد الي حالة حيوانية , مع فارق كبير وهو ان البشاعة صارت اسلوب حياة ' .

لقد اشتغلت ماكينة اعلام الثورة المضادة طوال الشهور الماضية علي تدمير الوشائج بين جميع الاطراف التي شاركت في ابداع مشهد الثمانية عشر يوما الموزعة بين الربع الاخير من يناير و الثلث الاول من فبراير 2011 , وبمهارة والحاح شديدين تم اعتماد مصطلح ' الخرفان ' الموغل في بذائته مرادفا للمنتسبين الي الاخوان وقوي الاسلام السياسي , وبالالحاح ذاته جرت عملية تجريدهم من مصريتهم واسقاط الوطنية و الثورية عنهم , ثم التحريض و التشجيع علي ذبحهم وسلخهم , حتي جاءت لحظة التنفيذ في اسوا ليالي مصر واكثرها سوادا علي الاطلاق.

وبالطبع يمكنك ان تنحو باللائمة علي الذين حولوا الثورة الي حرفة ' باليومية ' ودللوا البلطجة بان منحوها لقب ثورة , ووفروا الملاذات الثورية الآمنة لفلول وبقايا الثورة المضادة , وجعلوا المسافات تضيق حتي التلاشي بينهم كرموز ثورية كما اعتبرناهم يوما وبين جنرالات الانتقام من الثورة , بل انهم امعنوا في التضاؤل و الاتضاع اكثر حتي صاروا وكلاءهم داخل مصر , واظن ان تصريحات زعيم الثورة المضادة الهارب قبل ساعات من المذبحة التي تحدث فيها عن عودته الوشيكة الي مصر تستحق التفكير , لمن اراد ان يقرا تفاصيل المشهد جيدا.

لكن قبل توجيه اللوم الي ملوك الطوائف وامراء الحرائق و الخرائب , ينبغي ان يوجه اللوم الي الرئيس الساكن الساكت الذي يكتفي بمشاهدة السنة النار تعلو وتمسك بملابسه وتحرق وطنا دون ان يحرك ساكنا , او يطبق قانونا او دستورا علي صناع الموت؟

ليست هناك تعليقات :