وائل قنديل يكتب : نهر النيل يعلن التمرد على الاهانة


هل كان المصريون اوفياء لنهر النيل حتي يكون وفيا لهم؟ هل قدمنا للنهر ما يجعلنا جديرين به؟

ان شعبا لم يهن نهره ويحتقره كما فعل المصريون بالنيل العظيم -- انظر الي التلوث و القبح و الدمامة المعمارية علي شاطئي النهر , وقارن بين هذه الصورة البائسة وما يناظرها في دول ودويلات اخري لا تتمتع بعشر معشار مياه النيل ستجد اننا بارعون للغاية في الهدر و التلويث وقتل الجمال لاننا لا نحترمه ومن ثم لا نعرف كيف نصونه ونحميه.

لقد نجحنا في تحويله من شريان حياة الي مقبرة لقاذوراتنا وجيفنا , ومدفنا لمخلفاتنا الاخلاقية و الحضارية -- هل شاهدت في اي مكان في العالم من يلقي بالقمامة و الحيوانات الميتة في النهر الذي يشرب منه؟

هل سمعت ان شعبا من الشعوب المشتركة في نهر الدانوب مثلا يلقي نفاياته فيه ويخنقه بالروائح العطنة و البنايات القبيحة التي تحجبه عن الناس؟

ان النيل لو نطق لصرخ فينا انه لا يصدق هذه المناحة المنصوبة بمناسبة قيام اثيوبيا بتحويل مجراه واقامة سدود تمنع تدفقه بكامل عافيته الينا -- سيقول لنا ان من لا يحمي النهر من اخطار الداخل لن يكون بمقدوره حمايته من مخططات الخارج الخطرة , لاننا بايدينا ارتكبنا جرائم في حقه اكبر بكثير من توجهات اثيوبيا.

وهل هناك جريمة افدح واحقر من ان يصبح ما نعتبره شريانا لحياتنا في نفس الوقت مستودعا للصرف الصحي؟

في بحث منشور للدكتور مدحت خفاجي يقول انه وللاسف منذ عام 1965 تقوم حكومات مصر بالقاء مياه المجاري ' الصرف الصحي ' في نهر النيل , وذلك لرخص تلك الوسيلة للتخلص من مياه المجاري لان مستوي مياه النيل منخفض عن سطح الارض في الدلتا و الصعيد.

ويوجد ما يزيد عن 360 مصبا لمياه المجاري في النيل من اسوان حتي الجيزة لعدم وجود مصارف في الصعيد اما عن صرف المجاري في الدلتا فيتم عن طريق المصارف الزراعية , و التي تلوث بحيرات شمال الدلتا.

ويضيف في البحث نفسه ' والقاء مياه المجاري في الصعيد في نهر النيل وفروعه , بالاضافة الي تغيير طعم مياه النيل العذبة , يسبب للمصريين الاصابة بالنزلات المعوية المتكررة وبالذات للاطفال , و الدوسنتاريا الاميبية الحادة و المزمنة , وذلك بالاضافة الا الاصابة بفيروس A الكبدي.

اننا نكاد نكون الشعب الوحيد في العالم الذي يهدر عشرة اكواب من الماء علي الاقل لكي يملا كوبا واحدا , وانظر ايضا الي كميات المياه التي تهدر علي الارض كل صباح مع حفلات الازدراء الجماعية للنيل و المتمثلة في غسيل السيارات بالشوارع.

باختصار نحن نهدر اضعاف ما نستهلكه عمليا من مياه نهر النيل لاسباب تتعلق بالجهل وثقافة الهدر و القبح , واظنها فرصة حقيقية لكي يغتسل المصريون من جرائمهم وآثامهم في حق النهر , ويعتذروا للنهر الذي تلوث فتمرد!

وبالقدر ذاته الذي نوجه به غضبنا الي اثيوبيا من المهم ان نغضب داخليا ونعلن اعتذارنا بشكل عملي للنهر ونرد له اعتباره , وهذا لن يتاتي الا من اجراءات وتشريعات حمائية صارمة ضد كل من يرتكب جريمة ضد النيل , هدرا او تلويثا.

ليست هناك تعليقات :