فهمي هويدي يكتب عن : شجاعة التراجع عن الأخطاء


ليس الاقدام وحده الذي يحتاج الي الشجاعة , لان الانسحاب و التراجع ايضا يحتاج الي الشجاعة. واذا كان الاقدام في ظروف استثنائية يعد من قبيل الترف و السفاهة , فان الانسحاب غالبا ما يكون من علامات الانكسار و الهزيمة , اقول ذلك بمناسبة اعلان استقالة محافظ الاقصر الجديد من منصبه , بعد الاعتراضات التي قوبل بها تعيينه من جانب الفعاليات السياسية بالمدينة , ومن جانب بعض المعنيين بامر السياحة في مصر.

اذهب الي ان استقالة الرجل التي انحازت اليها الجماعة الاسلامية وحزب البناء و التنمية الذي يمثلها هي من ذلك الطراز الذي يتطلب شجاعة في الراي وبعدا في النظر , واعلاء شان المصلحة العامة.

وهي من ذلك القبيل الذي يكبر به صاحب القرار , لانه يخسر موقعا حقا لكنه يكسب موقفا. كما سبق ان قلت. ذلك ان الامر يبدو له بحسبانه تناقضا بين الوظيفة و القيمة ومن ثم يبدو المرء صغيرا اذا انحاز الي الوظيفة وكبيرا اذا زهد فيها وظلت عيناه مصوبة نحو القيمة وهي في حالتنا تتمثل في المصلحة العليا للوطن.

بسبب الجدب السياسي الذي نعيش في ظله فان الناس عادة ما يكبرون ويصبحون نجوما حينما يجلسون في مقاعد الحكم , ونادرا ما تعرف الساحة السياسية كبارا ممن هم في غير واجهات السلطة و الحكم , اما في الديمقراطيات المستقرة فان السياسيين يكبرون وهم بعيدون عن السلطة ولا تضيف اليهم المناصب الكثير , ولذلك فان استقالة المسئول في تلك الديمقراطيات لا ينتقص من وزنه كثيرا.

كان من الممكن ان يباشر محافظ الاقصر الجديد وظيفته وهو في حماية الاجهزة الامنية وربما ايضا اعضاء الجماعة التي ينتمي اليها. وفي وضعه ذلك فان صورته ستظل مجرحة وشرعيته مطعون فيها , لانه سيظل نموذجا للمسئول الذي لا يحيط به شعبه , بل يخشي شعبه , ولا يتوفر له الامان الا اذا احتمي بعناصر الامن وبخاصته.

ثمة مبدا شرعي يستند الي حديث لم تتاكد قوته يقول : من ام قوما وهم له كارهون وجبت له النار , وهذا المبدا يرد به عادة علي حديث اخر يقول : صلوا خلف كل بر وفاجر , لكن النظر الفقهي انحاز الي الراي الاول وايد فكرة رفض صلاة المسلمين وراء من لا يحبون , باعتبار ان رضا الناس وقبولهم امر لابد له , حتي في صلاة الجماعة.

لست اشك في ان المهندس عادل الخياط باستقالته صار اكبر في عيون الكثيرين , كما ان الجماعة الاسلامية بالقرار الذي اتخذته في هذا الصدد سجلت نقطة اضافية لصالحها ازعم انها ستسهم في تقديمها في صورتها التي استجدت بعد المراجعات الفكرية التي قدمتها , وحرصت علي ان تلتزم فيها بالمشاكة السياسية ضمن القوي الوطنية مع احتفاظها بمرجعيتها الاسلامية.

اذا كانت هذه المقدمة قد طالت فعذري انني اردت ان امهد لفكرة طرات لي سبق ان عرضتها علي بعض من يهمهم الامر , اقترحت فيها ان يقدم كل من رئيس الوزراء و النائب العام استقالتيهما من منصبيهما لنزع فتيل الازمة التي صرنا اليها واوصلتنا الي ما وصلنا اليه الآن.

لقد فهمت ان الرئيس مرسي له حساباته في الابقاء علي الدكتور هشام قنديل رئيسا للوزراء.

من هذه الاسباب انه اذا غيَّره فان ذلك قد يعد تراجعا من جانبه يشجع معارضيه علي الاستقواء عليه ومطالبته بالمزيد , من هذه الاسباب ايضا انه يريد حكومة تسفر عنها الانتخابات البرلمانية ويختارها الشعب , بدلا من حكومة تتشكل في ظل الضغوط الراهنة التي لا يعرف الوزن الحقيقي للقوي التي تقف وراءها.

وكان اقتراحي ان مبادرة الدكتور هشام قنديل بتقديم الاستقالة ترفع الحرج عن الرئيس ولا تضعه في صورة المتراجع , وفي نفس الوقت فانها تحفظ لرئيس الوزراء كرامته , وتجعله يخرج من الوزارة مرفوع الراس وبثقل اكبر في نظر الناس.

وذلك ينطبق علي النائب العام ايضا الذي لا يستطيع الرئيس اقالته بحكم الدستور الجديد , لكنه اذا بادر بالاستقالة من جانبه فسوف يحل الاشكال ويخرج بدوره من المنصب محتفظا بقامته وكبريائه.

ربما كان ذلك راي من لا يري جوانب اخري من الصورة يراها الرئيس. وهو راي قلته في حينه ولم اعلنه لحسابات معينة لكن استقالة محافظ الاقصر شجعتني علي الجهر به , ولا اعرف اذا كان ذلك يمكن ان يسهم في اطفاء بعض مصادر الحريق الذي نحن مقبلون عليه ام لا. لكنه علي الاقل يمكن ان يضاف الي ارشيف المرحلة , ربما افاد احدا من الباحثين في التاريخ

ليست هناك تعليقات :