عبد المنعم أبو الفتوح يكتب : الوطن و السلطة و المستقبل الحقيقة الضائعة فى زحام الأهواء


عام مضي علي اول انتخابات رئاسية بعد الثورة وياتي في ختامه للاسف بتطورات تهدد الوطن و المستقبل الذي ائتمنتنا الاجيال علي تعهده حتي تتسلم زمامه.

ومن شهد فرحة المصريين بطول مصر وعرضها يوم 11 فبراير لا يمكنه تصديق ان هؤلاء هم بعينهم من يتحفزون ويتصارعون ضد بعضهم بعضا الآن علي نحو لم تشهده مصر من قبل اللهم الا في مواجهة احتلال اجنبي -- وانا بالفعل لا اصدق ان المشهد السياسي الحالي يتشكل من مشاعر ووجدان ووعي المصريين البسطاء السمحاء الذين يملاون القري و النجوع وطرقات المدن وحواريها وشوارعها -- هؤلاء المصريون الذين تكتب عنهم كتب الدراسات الاجتماعية من مشاعرهم الفياضة انهم ' شعب يتميز بالحفاوة بالغرباء ' -- فيما تتناقل الاخبار و الحكايات هذه الايام الحديث عن ' مصريين ' تمتلئ احاديثهم بمفردات مثل الحصار و التهديد و القتل وبحيرات الدماء -- وانا اعلم ان ما تصنعه الآلة الاعلامية يتجاوز الحقيقة التي تظهر الواقع كما هو -- فيما تختفي وتضيع هذه الحقيقة بتفاصيلها الصحيحة في زحام اهواء وصراعات صغيرة علي سلطة زائلة ستنحسر عن صاحبها يوما ما -- طال مجيئه ام قصر -- بالموت ام بغيره.

المشهد الذي نراه ونعيشه الآن هو محض صراع علي السلطة لا اكثر ولا اقل -- ويبدو انها حالة تتشكل بهذه الحدة و الشراسة في ظل ظروف سياسية واجتماعية تتشابه في بعض المجتمعات وقد سمعنا المهاتما غاندي رائد الامة الهندية المعاصرة يتلفت حول النخبة التي يراها كلها تنادي بحبها للوطن وتصرخ زاعقة خوفا علي الوطن -- وكلهم لا يعملون لمصلحة الوطن بل من اجل السلطة -- السعي للسلطة ليس عيبا لتحقيق الاهداف وتطبيق البرامج لكن ان يتحول هذا السعي الي سعار فتلك هي الكارثة وهذا هو الباب الكبير للمهالك كلها -- وعلي ذلك اود ان اذكر عدة نقاط :

_ لم يستطع الحكم القائم ان يحقق درجة الوفاق الوطني التي تبشر بالجماعة الوطنية في مجتمع الحق و الواجب ودولة القانون التي يظللها دستور التراضي و التوافق -- بل لقد تعثرت الخطوات في ادراك هذه المطالب دون عذر مقبول ودون تفسير واضح -- فيما بدا للجميع ان احكام القبضة علي السلطة ودوائرها هو المطلب الذي يتحتم الحصول عليه الآن -- وحالا. مع عدم اكتراث بالقوي السياسية و المجتمعية صغيرة الحجم كانت ام كبيرة -- مع قدر غريب من الاصرار علي التحدي و المعاندة -- في رسالة واضحة تقول ان ما بيننا وبينكم هو السلطة وامتلاكها و الشرعية وحيازتها -- فيما يزداد التاكيد بالممارسة اليومية علي ان فكرة ' الجماعة الوطنية ' لا مكان لها في فلسفة الادارة السياسية للشان العام مصحوبة بتعللات باهتة بالصندوق و الانتخابات.

_ حين دعوت الي انتخابات رئاسية مبكرة كمخرج سياسي لحالة الاحتدام التي تصاعدت الي حدود الخطر في تهديد تماسك البناء الاجتماعي من قواعده -- وعلي الرغم من حالة التحول الديمقراطي التي يمر بها الوطن و التي تحتاج بالفعل الي تثبيت وتاسيس -- كان ذلك بالاساس لتحويل الانظار و الافكار الي مدارات من الممارسة الديمقراطية في الاطار الدستوري الضامن و الضروري لشرعية انتقال السلطة حال تعقد الامور وارتباكها الي حدود العنف و العنف المتبادل -- الامر الذي يفتح ابواب ' الجحيم السياسي ' علي الجميع -- وانا وان كنت اؤمن بهذا الخيار فليس بالضروري هو الخيار الاوحد و الاصح -- ولو رايت من الحلول و المعالجات ما نتجاوز به تلك الدعوة عبورا للازمة كلها لاقررت بها وساندتها وعملت علي ان اكون جزءا منها.

_ لقد تعرضت التنظيمات و الحركات الاسلامية و الاصلاحية علي مدي حضورها التاريخي في القرنين الماضيين الي صعوبات ومصادمات وسجون واعتقالات انتجت شعورا بالظلم و القهر كان له دوره المباشر في صنع وتوليد افكار وسلوكيات التطرف و التي عانت منها مجتمعاتنا علي امتداد العالم الاسلامي كله معاناة اليمة -- وصنعت مواقف وحالات سياسية وفكرية اضرت اضرارا بالغا بمشروع الاصلاح الوطني في كل جوانبه ومكوناته -- وهو ما يجعلني انتبه وانبه الي ان انغماس التنظيمات الاسلامية في مزيد من الاحساس بالظلم و التجني و القهر يعني ببساطة مزيدا من الانغماس في الافكار المتطرفة التي ستجعل تلك الدائرة الجهنمية لا تكف عن الدوران ولا تكف عن انتاج التطرف وهو ما يجعلنا نتطلع بحرص وقلق الي المستقبل البعيد و الابعد -- حرصا علي الاجيال القادمة. اقول ذلك وانا ادعو الي فتح باب السياسة علي مصراعيه في اتجاه كل الحلول و المعالجات الممكنة.

_ يتوقع كثير من المتابعين حدوث حالات عنف كبيرة متبادلة سيمنح كل طرف فيها نفسه الحق و المشروعية التي تصل الي حدود ' الاستشهاد ' من جانب -- و ' حقوق العنف الثوري ' من جانب آخر -- علي ان اخطر ما في تلك المواقف كلها هو تنظيم ' البلطجية ' الذي احكم رجال النظام السابق مفاصله وباتت مصادر تمويله وتسليحه لا سقف لها -- ويهدفون بالاساس الي اغراق الشارع بالدم و القتل و الترويع -- وعليه فستكون ' النكسة الثورية ' تبعا لذلك اشد مرارا وحسرة وخسارة من كل النكسات.

_ يحدوني التوقع و الامل للوصول في الايام القادمة الي تحقيق قدر جيد من التوازن السياسي ينزع فتيل الازمة كلها -- و المواءمة السياسية في تحقيق المصالح العليا للوطن و الامة ليست مما ينقص السيادة او يهين الكرامة. بل مما يسجله التاريخ دائما للطرف الاقوي هو مقدار ما يقدمه بين يدي الوطن من ' تضحيات سياسية ' -- رعاية وصونا للوطن وحفاظا وكمالا للجماعة الوطنية.

ليست هناك تعليقات :