وائل قنديل يكتب : حماقة الثورة تواجه أخونة الدولة


لماذا تصر هذه النخب السياسية المضحكة علي محاولة نزول نهر الحماقة ذاته مرتين؟

لماذا لا يتعلم هؤلاء من اخطاء الماضي القريب ويتم استدراجهم لما جعلهم يخسرون النزال , واعني الانزلاق طوعا الي فخ الهوية , ذلك الذي تم اقتياد الجميع اليه في استفتاء مارس 2011 الشهير؟

ان الخطاب الصادر عن الداعين لمعركة 30 يونيو يتوشح بقضية ' هوية مصر ' يستوي في ذلك مهرجون تدربوا في كواليس مسرح ثورة الفلول المضادة , وآخرون اعتبرهم الناس ايقونات ثورية علي المعاش -- كلهم يطنطنون بكلام اجوف عن حماية هوية مصر من ' الاخونة ' ويمضي بعضهم الي ابعد من ذلك للحديث عن التصدي لمشروع ' اسلمة ' البلاد.

لقد خسرت القوي المتلفعة برداء ' المدنية ' معركة استفتاء 19 مارس الشهير , وبعد ذلك استفتاء دستور 2012 لانها استجابت لتخطيط ارضية الملعب علي اساس الهوية , وابتلعت قصة دولة مدنية في مواجهة دولة اسلامية.

اللافت ان الذي اخذ الصراع السياسي الي هذه الارضية في ذلك الوقت كان تيارات الاسلام السياسي , ومن هنا يبدو عجيبا ومدهشا هذه الايام ان التيارات الليبرالية و اليسارية تدير معركة 30 يونيو منطلقة من ازمة هوية مصر , وتحشد الجموع من اجل انقاذ هوية مصر من حكم الاسلام السياسي -- ويتحامق بعضهم اكثر حين يقحم الكنيسة في معادلة الصراع كعنصر مضاد للتيارات الاسلامية , اذ يقول في ذلك واحد من شباب فلول المنصة : ' المعلومات التي وصلتني ان الايام القادمة ستشهد حشدا وتكليفا لجميع اخوتنا الاقباط شركاء الوطن بالنزول في 30 يونيه خاصة في القاهرة و الوجة البحري ' ثم لا يستشعر اي خطر وهو يؤكد انه ' لن تخذلنا الكنيسة هذه المرة وتاكدت من مصادري الخاصة جدا ان الكنيسة ستخرج عن بكرة ابيها في 30 يونيه لاسقاط هذا النظام الديني الفاشي ' .

ولا يختلف هذا الخطاب الخطير في مضمونه عن الدفع باسباب تتعلق بروح مصر وهويتها علي لسان اهل النخبة من السياسيين و المثقفين , وكان قضية مصر المحورية هي الباليه و الرقص الشرقي و المشاهد السينمائية او انكار الهولوكوست ومنع المعابد البوذية.

والخلاصة ان وضع الخلاف السياسي في اطار الهوية و الدين ياتي هذه المرة من جانب التيارات المدنية , في مجتمع متدين ومحافظ بطبعه , وتشغله قضايا اخري حياتية من رغيف الخبز الي افتقاد الامن , وهذا يعني ببساطة ان المصريين مدعوون للخروج وفقا لاجندة نخبوية متعالية علي مشاكل الناس الاساسية.

لقد كنت ممن قالوا ' لا ' بالثلث لتعديلات مارس 2011 وقبلها كنت من المعترضين علي استفتاء الناس علي هذه التعديلات من الاصل في ذلك الوقت , وكان احد اسباب رفضي لتلك المعركة المبكرة للغاية انها تنبني علي سؤال الهوية , او هكذا نجح ' اهل نعم ' في تحويلها من السياسة الي الدين واستدراج الجبهة الاخري لثنائية ' مدنية ضد اسلامية ' .

والمفارقة انه في هذه الجولة تنقلب الآية , ويختبئ دعاة المدنية في حقول الهوية هربا من المواجهة السياسية المباشرة التي تجسدها عبارة واحدة هي ' التغيير بالانتخابات وليس بالطلقات و العبوات الحارقة ' .

ليست هناك تعليقات :