سيف الدين عبد الفتاح : انتقاد الثورة لنفسها ذاتيا قبل أن تنقض اهدافها


من المهم ان نؤكد بعد مرور فترات معينة ان نذكر انفسنا بفضيلة النقد الذاتي , ذلك ان تقاليد النقد الذاتي لا تزال غائبة في ساحاتنا الفكرية و السياسية , وتبدو كافة التوجهات و القوي متحفزة مستنفرة في مجال نقد الغير تترصد له كل الاخطاء و المعايب من كل طريق , وتتلمس السلبيات من كل فج عميق , بينما في المقابل من ذلك تتراخي وربما يتواري لديها اي ممارسة لنقد ذاتي رغم وضوح معاييبها ورغم بروز سلبياتها , وكانها بممارساتها تلك تري ان قيمتها تزيد بهجاء غيرها , وفي هذا المقام تبدو موازين النقد اقرب ما تكون الي مداخل للنقض وليس لعملية بناء حقيقية للمواقف و التوجهات و الوطن.

النقد الذاتي هو ممارسة عملية لقدرات اي كيان علي القيام بوظيفة المراجعة الذاتية حتي لا يعتقد في نفسه العصمة او يضفي الشرعية علي اي انحراف او اي عيب او خطا في التفكير او التدبير او الممارسة , وهو بذلك يعبر عن طاقة عملية يجب ان تمارسها الذوات و الكيانات حتي تضمن صحة المسير و الخيار الرشيد , و النقد الذاتي كذلك عمل يشجع الكيانات علي الالتقاء علي كلمة سواء لكل ما يؤدي الي مواصلة عملية البناء و المبادرة الي تلمس الاخطاء في الذات حتي يمكن تصحيح المسيرة و المسار.

اذا كان هذا هو النقد الذاتي فكيف يمكننا ان نعود الي مشهد يجب ان نتدبر منه العبرة من الخبرة ونلتقط منه الفكرة , مفاد هذا الامر هل يمكننا ان ننتقد مسار هذه الثورة منذ الحادي عشر من فبراير في العام 2011 , في اي امر اخطات الثورة واهلها؟ وما هو الطريق الذي سلكته وكان عليها الا تسلكه , و الطريق الذي لم تسلكه وكان عليها ان تطرقه؟ اسئلة محورية طافت علي ذهني , ونحن في خضم عام ثالث لهذه الثورة يجب علينا ان نتبين ونتبصر مواقع اقدامنا لثورة يراها البعض لم تتم , ويراها البعض الآخر انه اُلتف علي مكاسبها , او انها لم تدرك بغيتها ولم تحقق اهدافها ومطالبها.

●●●

اذا اردنا ان نعدد بعض هذه الانتقادات المفصلية فان اول انتقاد انما يتعلق في ترك الثوار للميدان بشكل مادي وبشكل رمزي , وتركهم مساحات الحكم كاملة لمن ينوب عنها من دون التعرف علي قدراته في تسيير دفة الحكم بما يضمن تحقيق اهداف الثورة , واذا كانت هذه الثورة قد افتقدت القائد وهذا من اهم ميزاتها بل ربما من اهم عوامل نجاحها الا ان افتقاد القيادة بعد ذلك شكّل عيبا وعبئا عليها.

كان من المهم ان نبدع رؤية تقوم علي الشراكة في الحكم متمثلا في رموز مدنية تحقق المعني الذي يتعلق بالرقابة علي جهة التسيير اي كانت الجهة التي ستقوم بذلك. الامر الاول : مفاده ' الثورة لابد وان تحكم , فان لم تحكم فان اضعف الايمان ان تشارك في الحكم ' .

الامر الثاني : يتعلق بان هذه الثورة لم تنشئ الادوات لحمايتها واستمراريتها منذ يوم الحادي عشر من فبراير لتحقق بذلك صمام امانها , وتكرس كل عناصر المناعة الذاتية في كيانها ومسيرها , نقصد بذلك كيف ان هذه الثورة ارادت ان تسير وبفعل من اختير لتسيير امورها بكل ادوات النظام القديم وبكل مسالكه واساليبه , كان هذا في حقيقة الامر شكل خيارا غير مقبول وغير معقول , ' لا يمكن حماية ثورة بادوات نظام بائد قديم ' , ربما يعمل في مضادتها وربما يشكل خطرا عليها.

وحبسنا من حبس في قمقم القانون بدعوي ان الثورة لا تعني تجاوز القانون الموجود او التعامل بقوانين جديدة , كان هذا الخيار الذي تهنا في متاهاته ادي الي خطوات شكلت فجوات بين الثورة واساليب حمايتها وتحولت المحاكمات الي بعض مشاهد من القاضي الطبيعي في فترة استثنائية لا تحتمل هذا المسار , كان لابد من ان تكون هناك محاكم ثورية تعبر عن طاقات لحماية هذه الثورة وتشكل من خلال القوانين الجديدة جهاز مناعتها الذاتية , الا ان الامر سار في غير هذا الطريق واهملنا القاعدة التي تؤكد علي ان ' للثورة ان تصنع ادوات حمايتها ' .

الامر الثالث : يتعلق بعمليات تطهير كانت لابد ان تتم مصاحبة لعملية التغيير وتحقق ضمان السير و المسير لكل ما يتعلق بالحالة الثورية , ان ثورة علي الفساد و الاستبداد لحريّة بان تبني المسار الذي يؤسس لاستراتيجية تطهير حقيقية لكل مكامن الفساد بطريقة عاجلة وفورية لا تحتمل الانتظار او التاجيل , وافتقدنا القاعدة التي تؤكد ان ' تطهير مجري الثورة هو جزء لا يتجزا من الحفاظ علي كيانها وتحقيق مسيرة اهدافها ' .

الامر الرابع : يتعلق بالشباب الذي لم يمكن ولم يتمكن رغم ان هذه الثورة قد قامت بشرارة عملهم وباحتضان شعبهم , الا ان الشباب تواري لسببين الاول حينما قامت قوي بعينها بتفريق هؤلاء الشباب و الثاني حينما تمكنت وترسخت قابليات التفرقة لدي هؤلاء الشباب , فتفرق دمهم بين القبائل وتصدرت النخبة القديمة العتيقة الساحة في مشهد درامي خطير ' استبعد الابطال وتمكين الشباب وتصدرت النخبة المحنطة ' .

الامر الخامس و الاخير في هذا النقد الذي تعلق بفيروس الاستقطاب الذي تمكن وتحكم , بل بدا يتحول الي حالة عنفية يحاول ان ينسخ وان ينقض مبدا : سلمية -- سلمية.

●●●

خماسية النقد الذاتي للثورة المصرية انما تعبر عن ضرورة ان نستلهم الدرس في مواجهة محاولات نقض هذه الثورة , فان ممارستها لنقدها الذاتي اولي درجات تحصينها و الحفاظ عليها , وضمان استمراريتها في عطائها , من هنا وجب علي الجميع ان يتعلموا درس استراتيجية نزع الفتيل و التعلم من الاخطاء , فالثورة لم تعد تحتمل اخطاء تقوض كيانها وتنقض اهدافها .

ليست هناك تعليقات :