هل يمكن استعادة روح الثورة الصفية و النقية و الطاهرة ؟


محمد حبيب ... الروح التي برزت خلال ال١٨ يوما الاولي في ثورة ٢٥ يناير , هي التي مكّنت الشعب المصري من القيام بثورته العبقرية التي اذهلت العالم واثارت اعجاب الزعماء و القادة في كل ارجاء الدنيا -- هذه الروح تجلت آنذاك في منظومة من القيم الاخلاقية و الايمانية و الانسانية الجميلة و الرائعة , مثل الشهامة و المروءة و الرجولة و البطولة و الشجاعة و البسالة و الايجابية و النبل و الكرم و البذل و العطاء و التضحية و الفداء و التعاون و التكافل و الايثار -- . الخ , حيث ظهر الشعب بكل شرائحه ومكوناته وتنويعاته , افقيا وراسيا , كسبيكة واحدة صلبة وقوية -- مترابطة ومتماسكة , وقادرة علي مواجهة قوي القمع و البطش التي تهاوت وانهارت امام الموجات المتدفقة و المستمرة للمتظاهرين.

للاسف لم تدم هذه الروح طويلا -- فقدت القها ووهجها , وبدات في التراجع منذ تلك اللحظة التي استشعر فيها اخوة الكفاح و النضال انهم حققوا شيئا من الانتصار فاق حدود ما لديهم من تصور او خيال -- حقا لقد سقط راس النظام , لكن بقي النظام نفسه بكل سياساته ومؤسساته وجذوره واوتاده -- وللاسف ايضا عجز التيار الاسلامي عن استيعاب اخوة النضال , او عن افساح مكان لهم الي جواره -- لقد انهزمت المنظومة الاخلاقية و الانسانية ' روح الثورة ' امام النظرة الحزبية الضيقة و الانتهازية البغيضة , حين ظهر ان كل فريق يريد حظه ونصيبه من الغنيمة -- وبدا المجتمع منقسما -- واستطاع المجلس العسكري مع القوي المحافظة , ومنها التيار الاسلامي , ان يبقي علي النظام القديم وان يقوم باجهاض الثورة , وانهاك القوي الثورية الي حد كبير -- دخلنا في دوامات التخوين و الاتهام بالعمالة و الاستقطاب الحاد , ثم سقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحي و المصابين -- القصة دامية ومحزنة ومؤلمة وموجعة -- اهم ما تميزت به هذه الحقبة غياب العقل واختفاء الحكمة وضياع الرشد وضبابية الرؤية , فضلا عن فقدان العدالة , وانعدام الامل في القصاص للشهداء.

علي اثر الاعلان الدستوري المعيب الذي اصدره الدكتور مرسي , عاد الي المشهد من جديد الانقسام الحاد و الاحتراب و العنف وسقوط الشهداء و الجرحي -- اصبحت الدولة في حالة سيولة , و القانون فقد سيادته وهيبته -- و القضاء يعاني من اعتداء علي استقلاله -- اضافة الي الوضع الاقتصادي المازوم -- نحن امام عناد , وتربص , وروح انتقام -- امام غضب جامح يوشك ان يعصف بكل شيء.

هل يمكن استعادة روح الثورة؟ هل يمكن ان يعود الشعب المصري الي صفائه ونقائه وطهره الذي ظهر به في الايام الاولي للثورة؟ لا اظن ذلك , فقد جرت في النهر مياه كثيرة , لكن يبقي الامل موجودا , غير انه ضعيف -- مجرد ضوء خافت في نهاية النفق -- ما نطمح اليه الآن هو ايجاد معارضة قوية , تتحقق من خلالها ممارسة ديمقراطية حقيقية -- واذا كان التيار الاسلامي في امسّ الحاجة الي تحسين صورته واستعادة شعبيته , فان من المؤكد ايضا ان القوي الثورية و المعارضة هي الاخري في امسّ الحاجة الي لملمة اوراقها وتجميع صفوفها -- امامها الذكري الثانية لثورة ٢٥ يناير -- تُري ما الذي يمكن ان تفعله؟ وهل تكتفي بالاحتشاد في ميدان التحرير؟ امامها ايضا انتخابات مجلس الشعب , وهذا هو الاهم -- فهل لديها الاستعداد و القدرة علي المنافسة الجادة و الفاعلة للتيار الاسلامي؟ نامل ذلك -- خريطة التحالفات الانتخابية ما زالت في طور التشكل و التكوين , و المناورات الآن تجري علي قدم وساق , وبالتالي من السابق لاوانه التعرف علي الصورة النهائية.

ليست هناك تعليقات :