ولكن هناك طريقة اخري اكثر فلسفية علي نمط النظريات الفلسفية الكبري , مثل فلسفة التاريخ ودورة التاريخ , وهذا النوع من التحليل الذي كان يقول به الفيلسوف الالماني هيجل ومن يسيرون علي دربه.
اذن دعونا نفكر في ما حدث في مصر في آخر مائة سنة , لنعرف كيف ان ما نحن فيه هو تحول يبدو منطقيا من منظور فلسفة التاريخ . في آخر مائة سنة , مصر جربت الارستقراطية الملكية شبه الليبرالية القائمة علي الراسمالية في المجال الاقتصادي بعد ثورة 1919 , حيث كانت ثلاثية الملك و ' الوفد ' و الانجليز تسيطر علي حياتنا , في ظل وجود دستور وغياب للحياة الدستورية , وهي آفة مصرية ستظل معنا للتسعين سنة القادمة. الحديث عن ليبرالية ' الوفد ' وتدخل الانجليز وعدم احترام الملك للدستور يجعلنا نقول انها تجربة ثرية , ولكنها انتهت بالشعب يوافق , بل ويؤيد التغيير القادم مع الضباط و الجنود الذين قالوا في بيانهم بعد ثورة 1952 ان عوامل الفساد و التآمر علي الجيش بلغت ان تولي امره اما جاهل او خائن او فاسد حتي تصبح مصر بلا جيش يحميها. وتحولت مصر مع الزعيم جمال عبدالناصر الي تجربة جديدة مناقضة تماما , لا هي ملكية ولا هي ليبرالية ولا هي راسمالية ولا هي دستورية , وانما هي حكم ' جمهوري عسكرتاري وحدوي اشتراكي ' كالكثير من المجتمعات التي استقلت بعد الحرب العالمية الثانية , حيث تم تاميم الحياة السياسية لصالح مشروع الحزب الواحد , وتم الغاء الاحزاب و السيطرة علي مؤسسات المجتمع المدني و الاهلي وعلي الصحف وتاميم المشروعات الاقتصادية ومقاومة التدخل الغربي في شئون مصر.
ثم تحولت مصر مع ' السادات ' ثم ' مبارك ' الي حكم عسكرتاري شبه تعددي راسمالي يقبل من الحرية بقدر ما يتناسب فقط مع البنية الراسمالية الناشئة للدولة وما يكفي لمواجهة الضغوط الاجنبية الخاصة بغياب الديمقراطية بالذات في عصر ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
من ملكية راسمالية شبه ليبرالية الي جمهورية عسكرتارية اشتراكية الي جمهورية عسكرتارية راسمالية , ظل هناك بديل بعيدا عن المشهد , ولكنه دائما كان المعارضة الاكثر بروزا علي السطح , وهو البديل المحافظ دينيا او المسمي شعبيا البديل ' الاسلامي ' .
بالعودة الي العم هيجل : كل نظام من هؤلاء فيه خاصية ذاتية كما هو الحال مع النظم الايديولوجية المغلقة لنفي الآخر دون القضاء عليه تماما الا اذا كان هو اصلا غير قابل للحياة. معني ان البديل المحافظ دينيا ظل منذ انهيار الخلافة وحتي ثورة 2011 قادرا علي البقاء و التكيف , اذن وجوده ليس دخيلا علي المجتمع , بالذات في مجتمع محافظ مثل مصر , حيث يغلب الناس ما يعرفونه علي ما لا يعرفونه , و الموروث علي الوافد , و القديم علي الجديد , و الرجل علي المراة , و الكبير علي الصغير , و المتدين او من يبدو متدينا علي غير المتدين , او من يبدو غير متدين , وتجنب المخاطرة علي المخاطرة.
اذن وجود التيار المحافظ دينيا واستمراره وبقاؤه يعني انه كان بالضرورة سيصل الي السلطة في اول لحظة يخلو فيه مركز السلطة , وهذا ما فعلته الثورة , وهذا ما حذر منه عمر سليمان من ان القوي ' الظلامية ' هي التي ستحكم البلد. وبغض النظر عن وصف عمر سليمان , لكان هذا ما قلته في كتابي ' المسلمون و الديمقراطية ' منذ صدروه بالانجليزية في 2004. ولهذا كنت استغرب كثيرا ما كان يقوله بعض قيادات المجلس العسكري وبعض الاصدقاء من اليساريين و الليبراليين الذين كانوا يعتقدون ان تاجيل انتخابات 2011 لعدة شهور كان سيعني الا يفوز الاخوان فيها.
وبناء عليه , اظن ان من يكره الاخوان ومن يؤيدهم قد تكون له مصلحة في ان نختبرهم في السلطة حتي يقوم المصريون ' بتصفير العداد ' ويحكموا علي الجميع , ليس باعتبار انهم ضحايا ومضطهدون , ولكن باعتبار انهم اما رجال دولة قادرون علي تنفيذ ما يعدون او غير ذلك .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق