فهمي هويدي يكتب : هل تخلى السودان فعلا عن مصر ؟


لا اريد ان اصدق ان السودان تخلَّي عن مصر في موقفها من قضية سد النهضة الاثيوبي.

واذا صح الخبر الذي نشرته صحيفة الشروق امس ' الجمعة 7/6 ' , فان ذلك سيكون بمثابة الفشل الثاني لمصر بعد فشلها في احتواء الموضوع من البداية مع اثيوبيا , الامر الذي ينبهنا الي ان ثمة ثغرة خطيرة في قنوات الاتصال مع الخارج , حتي فيما يخص الامن القومي المصري , وهذه الثغرة ينبغي ان تحدد اولا ثم تعالج بمنتهي السرعة و الحزم ثانيا.

لقد تحدثت صحيفة الشروق في تقريرها علي صدر الصفحة الاولي امس عن نقاط محددة في الموضوع في مقدمتها ما يلي : ان الخرطوم اتخذت خطوات غير معلنة باعادة جميع انشطتها في مبادرة حوض النيل دون التشاور مع مصر ان مصر معتمدة بشكل اساسي في صياغة موقفها علي التنسيق مع السودان. ولذلك فان لديها تخوفات من اية مفاجآت تصدر عن الخرطوم ان ثمة خلافا بين البلدين كان يدور في الغرف المغلقة الا ان الطرفين كانا يخرجان بموقف مشترك في نهاية المطاف. ونقل التقرير المنشور عن مصدر سوداني انتقادا للموقف المصري تحدث عن نقطتين : الاولي ان القاهرة لا تزال تعامل السودان باعتباره الشقيق الاصغر. و الثاني ان السد ' الاثيوبي ' له منافعه بالنسبة للسودان ويجب ان تضع مصر تلك المنافع في حسبانها , قبل التخوف من افتراض نقصان حصتها من المياه.

لم يتسن لي التاكد من دقة هذه المعلومات. ولذلك ساظل عند تحفظي ازاءها. مكررا انها ' اذا صحت ' فهي تعني عندي اشياء كثيرة. وقبل ان اسجل ما لديَّ في هذا الصدد انبه الي عدة امور منها ما يلي :

انه لا ينبغي ان تكون لمصر مشكلة في العلاقات بين الجارتين السودان وليبيا. وهذا ما سبق ان قلته اكثر من مرة , ليس فقط لان الدول الثلاث تمثل اضلاع المثلث الذهبي التي يعد تكاملها شرطا لنهضتها , ولكن ايضا لان تلك احدي بديهيات الدفاع عن الامن القومي المصري.

ان العلاقات الايجابية بين الدول حتي اذا لم تكن متجاورزة لا يشترط لانجاحها الاتفاق في كل ما هو معلق بينها من ملفات وقضايا. لكنها تقوم حين يتوافر الاحترام المتبادل فيما بينها وحين يدرك كل طرف بان له مصلحة في التعامل مع الطرف الآخر. وتقاس الحكمة السياسية لدي الطرفين بمقدار قدرتهما علي تحقيق المصالح و المنافع حتي في ظل استمرار الاختلاف بينهما.

سيكون مدهشا وصادما ان تكون مصر قد فوجئت بتغيير الخرطوم لموقفها اكرر اذا صح الكلام المنشور تماما كما فوجئنا بالتطورات التي حدثت في اثيوبيا. ذلك ان ما افهمه ان مثل هذه الملفات المتعلقة بالمصالح العليا و الامن القومي للبلد لا تترك للمفاجآت , ولكنها تحتل موقعا خاصا لدي اجهزتها السياسية و الامنية , ويتفرغ لعلاجها واجراء الاتصالات بشانها اناس يجرون الاتصالات ويجمعون المعلومات ويحللونها , ويضعون التوصيات و الخيارات امام جهة القرار السياسي. وكفاءة تلك الاجهزة تقاس بمقدار قدرتها علي التنبؤ وتصويب المسار بحيث تجنبنا امثال تلك المفاجآت التي تمس المصالح العليا. وهذه بدورها بديهيات في العمل العام , يبدو اننا بحاجة الي التذكير بها.

ان ما بين مصر و السودان علاقات لها خصوصية شديدة , تتجاوز بكثير حكاية الشقيقة الكبري و الشقيق الاصغر وهذه الخصوصية اذا اخذت علي محمل الجد فانها تهيئ مناخا من الثقة و الفهم يجنب كل طرف ان يفاجا بسلوك او موقف غير متوقع من الطرف الآخر. باعتبار ان انفتاح قنوات التواصل السياسية و الامنية يحول دون حدوث امثال تلك المفاجآت.

الاسوا من المفاجاة السودانية ان تكون تلك القنوات قد اضعفت او عانت من القطيعة و الانسداد. بين القاهرة و الخرطوم. وذلك اذا كان قد حدث مع الاقربين فلا يستبعد حدوثه مع الابعدين , الامر الذي يعني ان الامن القومي للبلد في خطر محقق.

انني اتصور ان يكون ملف المياه و العلاقات مع السودان ودول حوض النيل في عهدة فريق عمل من الخبراء السياسيين و الامنيين الذين يقومون بالمهام التي اشرت اليها توا. وحين نفاجا بخطوة سلبية مثل تلك التي تحدثت عن تغير موقف الخرطوم , فذلك يعني احد امرين اما ان ذلك الفريق غير موجود اصلا , وهو ما استبعده , او انه فشل في مهمته وهو ما ينبغي ان نتداركه. علي الاقل من خلال اسناد الملف لمن هم اقدر علي ادارته بنجاح. الاحتمال الثالث و الاتعس ان يكون ذلك الفريق قد قام بما عليه , ولكن القرار السياسي اجّل حسم الموضوع , كما حدث في حالات اخري , الامر الذي يضعنا امام مشكلة كبري تحتاج الي كلام اكبر.

ليست هناك تعليقات :