‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات صحفية مختارة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات صحفية مختارة. إظهار كافة الرسائل

قبل الانفعال علينا الجلوس مع اثيوبيا


عماد الدين حسين ... في العلاقات الدولية عندما تهدد بشيء ولا تنفذه تخسر فورا وتفقد سلاح ردعك تماما , وتتحول الي اضحوكة بين الدول , مثلما هي صورة نظام الاسد في سوريا الذي يهدد اسرائيل منذ عام 1973 بالويل و الثبور ' واختيار زمان ومكان المعركة ' , ثم يتلقي الصفعة تلو الصفعة ولا يردها للاسف.

في العلاقات الدولية ايضا فان التهديد باستخدام القوة يتم عندما تستنفد كل الوسائل غير العنيفة.

اما عندما تبدا بالتهديد بالقوة كاول خيار فمعني ذلك انك مستجد وهاو وبلا خبرة في عالم السياسة , بل ربما تتسبب في تعميق خسارتك.

بعد هذه المقدمة النظرية يتمني المرء الا ندفع ثمنا باهظا جراء المؤتمر الغريب الذي جمع الرئيس محمد مرسي مع السياسيين قبل حوالي اسبوعين , وتباري فيه الجميع في توجيه التهديدات لاثيوبيا وكل افريقيا , بل و السخرية من السودان.

اتمني ان اكون انا وغيري مخطئين , وان يكون اصحاب نظرية ' دبلوماسية التهديد علي الهواء مباشرة ' لديهم من العلم و المعرفة ما نعجز عن فهمه وبما يمكنهم من حسم معركة المياه لصالحنا.

الرئاسة جمعت سياسيين من اطياف شتي وجعلتهم يهددون اثيوبيا بطريقة فجة من قلب مؤسسة الرئاسة. الرد الاثيوبي جاء سريعا : حملات اعلامية مماثلة , عمقت من الخلاف بين البلدين وربما تعمق الخلاف بين الشعبين , تم تصديق البرلمان الاثيوبي علي معاهدة عنتيبي , و الشروع الفعلي في بناء سد النهضة , وتصريحات يومية تتهم المصريين بالاستعلاء و العنصرية و العدوانية.

من سوء الحظ ان كرة الثلج تدحرجت اكثر وراينا الرئيس الاوغندي يوري موسيفيني يهاجمنا ويطالب بقية بلدان حوض النيل بانشاء سدود مماثلة , بل دخلنا في معركة لا لزوم لها مع السودان الشقيق الذي يفترض انه سندنا الوحيد في المعركة الممتدة بعد ان اعلنت جنوب السودان نيتها التوقيع علي ' عنتيبي ' .

الاداء المصري في معالجة الازمة اتسم بالانفعال الشديد , بل -- وربما اتسم بالتهور , وقد نحتاج وقتا طويلا حتي نعود لمستوي العلاقات مع اثيوبيا الي نقطة ما قبل مؤتمر السياسيين الهواة في القصر الجمهوري.

زيارة وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو الي اديس ابابا و المفترض ان تبدا اليوم الاحد خطوة علي الطريق الصحيح , حتي نعرف كيف يفكر الطرف الاثيوبي عمليا , والي اي مدي يريد ان يذهب. ومن سوء الحظ فان الحرب الاعلامية الشعواء بين البلدين ستمثل عبئا شديدا علي مفاوضات المسئولين.

ليس معني الكلام السابق ان ' ندير خدنا الايسر اذا ضربتنا اثيوبيا علي خدنا الايمن ' , بل ان نستخدم كل كارت او سلاح في وقته.

يمكننا ببساطة ان نجلس مع الاثيوبيين مثلما نفعل مع الصهاينة ونقول لهم : ' انتم تعلنون ليل نهار انكم لا تريدون المساس بحصتنا من المياه , ونحن نصدقكم , لكننا نريد منكم ترجمة ذلك علي الارض عبر اجراءات محددة خصوصا فيما يتعلق بحجم السد وكيفية تشغيله ومدة ملء خزانه ' .

ليس من الحكمة الدخول في صراعات مع كل بلدان حوض النيل , علينا ان نبحث في كل الحلول المتاحة سلما , وفي اللحظة التي نصل فيها الي يقين كامل بان اليد الممدودة بالسلام لا تجد من يقابلها , يحق لنا ان نهدد ونتوعد , اما قبل ذلك فهو اقرب الي ' الخناقات الصبيانية في الحواري المزنوقة ' .

وائل قنديل يكتب عن المعارضة التي تحولت الى آلة في يد أعداء الوطن لطعن أمن مصر القومي


لا يزال قبضايات حرب الدعاية السوداء يواصلون النواح الكاذب عن الامن القومي المصري , منطلقين من واقعة ذلك الحوار المسخرة بشان التعامل مع ازمة مياه النيل , غير ان المفارقة ان الاصوات ذاتها التي تنتحب خوفا وحزنا علي امن مصر القومي هي التي تمارس انتهاكا لهذا الامن يوميا , وتكد وتتعب في امتهانه و العبث به علي نحو لم تصل اليه اجهزة العدو الصهيوني.

ومن عجب ان الذين غضبوا وسخروا من تسريبات شخصيات سياسية مصرية عن آليات عسكرية لمواجهة السياسة الاثيوبية بشان النيل , يملاون الدنيا تصريحات وتحريضات تتناول المؤسسة العسكرية في مواجهة رئيس الجمهورية الذي هو رئيس المجلس الاعلي للقوات المسلحة , بل ويروجون لشائعات وتخرصات وامنيات مريضة بوقوع حالة انقلابية تدخل البلاد مباشرة الي جحيم الحرب الاهلية.

ولا يمكن لمروج لاكاذيب من نوعية ان القوات المسلحة ترفض حضور قائدها الاعلي احتفالا سنويا لاحد اسلحتها ان يدعي انه حريص علي امن مصر القومي , كما ان الذي يكرس كل طاقته لمحاربة اخوة له في الوطن لا يجوز باي حال من الاحوال ان يزعم انه راغب او قادر في الدفاع عن هذا الوطن ضد اي خطر خارجي -- ومن يصفق ويرقص طربا للتحرشات الاثيوبية بمياه النيل ويتخذها فرصة للنيل من النظام السياسي في بلاده هو آخر من يتحدث عن امن مصر القومي.

كما ان من يضع يده في ايدي خصوم هذه الثورة واعدائها الواضحين لا يحق له ان يتبجح ويزعم انه سيخرج نهاية الشهر لاستكمالها , ومن تهن عليه قطرة الدم المصرية يجب الا يتحدث يوما عن حماية حبة التراب او قطرة المياه.

لقد كنت اتحدث مع مثقف عربي محب لمصر طالبا منه ان يشرح لي كيف يري المشهد المصري من بعيد فصدمني بقوله ' انني توقفت عن تناول ' الحالة المصرية ' اعلاميا لانني احس بقرف شديد ' ثم ذكرني بحكاية قديمة عن اليابان قبل الحرب العالمية اراها معبرة عن الوضع الحالي في مصر بشكل كبير.

تقول الحكاية : كان اليابانيون قديما يجبرون الفتيات الصغيرات علي لبس احذية حديدية تظل في اقدامهن الي ان يكبرن وذلك لانهم كانوا يرون الجمال في الاقدام الصغيرة , كما كانوا يربطون ارجل الصغيرات في سلاسل قصيرة للتحكم في اتساع الخطوة بحيث لا تكون منفرجة آكثر من اللازم -- ولكن تلك الاحذية تسببت بطول المدة في تشويه الاقدام بحيث اصبحت تعجز عن تادية وظيفتها الاساسية وهي حفظ التوازن و السير المنتظم , وتطلب الامر بعد الحرب العالمية الثانية صدور قرار من الحكومة اليابانية بتجريم هذا التقليد الاقرب لمظاهر العبودية.

ولعل هذا ما حدث بالضبط للمصريين في مجتمع وضعته القيادات في احذية حديدية من القمع و البطش و الفساد و القهر فكانت النتيجة ان كل عناصر المجتمع تقريبا اصيبت بما اصيبت به ارجل اليابانيات , فلا رجال السلطة رجال سلطة ولا رجال المعارضة رجال معارضة ولا رجال القضاء رجال قضاء -- الخ , وهكذا اصبح كل يظن ان الحق بجانبه وحده فيتعصب له.

لقد شاهت المعاني وعبئت المصطلحات بمضامين فاسدة , فصار للثورة معان هي للثورة المضادة اقرب واصبح بعض من يسمون انفسهم ' الثائرين ' جنودا في فيالق الثورة العكسية التي تدافع عن مصالح هائلة ولن تتردد في استعمال كل الوسائل للحفاظ علي ما بقي ولاسترجاع ما ضاع.

ان الذين لم يجدوا لهم موقعا في المسيرة السياسية الحالية اصبحوا آلة في يد اعدائها , وفي ذلك يسال النظام.

الخطأ المصري في حق اثيوبيا و السودان فهمي هويدي


ينبغي ان نعترف باننا في مصر اخطانا في حق اثيوبيا و السودان -- حين سارعنا الي التصعيد مع الاولين دون مبرر , وحين اسانا الظن بالآخرين ايضا دون جدوي. وارجو ان يعد ذلك من قبيل المراجعة ونقد الذات , الذي لا يلغي اية تحفظات علي مواقف الاطراف الاخري.

في هذا الصدد فانني اخشي ان تكون اجواء الهرج و الانفعال التي تسود مصر في الوقت الراهن قد القت بظلالها علي تعاملنا مع ملف سد النهضة , الذي تحول الي مفاجاة صادمة وفرقعة كبيرة مازالت اصداؤها تتردد قوية في خطاب السياسيين وتعليقات الاعلاميين. اذ ليس مفهوما مثلا كيف تفاجا مصر بالحدث بعدما تم بناء 21 في المائة من مشروع السد , واين كانت حين بدا تنفيذ الخطوات الاولي للمشروع؟ وليس مفهوما ايضا ان ترفض مصر يوما ما فكرة بناء السد الاثيوبي حين كان مقترحا ان يستوعب 14 مليار متر مكعب من مياه النيل الازرق , ثم تثور ثائرة المسئولين المصريين حين اعيد تصميمه ليستوعب 74 مليار متر مكعب , ونقرا اخيرا ان خبراء واساتذة الهندسة الهيدروليكية يطالبون الآن بالا تزيد كمية المياه التي يحتجزها السد في حدود 14 مليار متر مكعب فقط , وهي ذات الكمية التي رفضتها القاهرة من قبل.

لقد نشرت الصحف ان وزير الخارجية المصرية سوف يسافر الي العاصمة الاثيوبية غدا لكي يواصل الحوار مع المسئولين هناك بخصوص الموضوع , وتلك خطوة جيدة ومطلوبة لا ريب , رغم انني لا اشك في ان مهمته لن تكون سهلة , بسبب التراشق و التراكمات السلبية التي حدثت في مجري العلاقات بين البلدين خلال الاسابيع الاخيرة , التي اضعفت فرص التفاهم وكادت تقطع الطريق علي محاولات الفهم المشترك.

حين يذهب وزير الخارجية المصري فانه سيجد ان خطوات بناء السد صارت حقيقة ماثلة علي الارض , وان المشروع تحول الي قضية قومية وثيقة الصلة بالكبرياء الوطني في اثيوبيا , وسيواجه بحقيقة اخري مفادها ان مطلب وقف بناء السد الذي دعا اليه البعض لن يجد آذانا صاغية اذا لم يقابل بالصد و الاستهجان. واذا اراد لمهمته ان تنجح فليس امامه من مخرج سوي اقناع الاثيوبيين بجدوي التفاهم حول الموضوع. ولا سبيل لاتمام ذلك التفاهم الا بطي صفحة التشوهات التي اصابت علاقات البلدين , و التنصل من الاساءات التي صدرت من القاهرة بحق الاثيوبيين و الاتفاق علي وقف التراشق الاعلامي بين الطرفين وقررا ان يوقفا الحملات و التصريحات المتبادلة بينهما.

اما حدود التفاهم المفترض فهي تتوقف علي المدي الذي يمكن ان تبلغه استعادة الثقة المنشودة ليس فقط بين القاهرة واديس ابابا , ولكن ايضا بوجود الخرطوم مع العاصمتين.

ان كثيرين يتصورون ان قضية سد النهضة هي الملف الوحيد العالق بين الدول الثلاث , في حين انه يشكل بندا واحدا في سجل العلاقات الذي يتضمن ايضا ملف مبادرة حوض النيل وملف اتفاقية التعاون بين دول حوض النيل الشرقي. ويشكل التعاون المفترض في اطار الاتفاقية الاخيرة فرصة للتفاهم ومعالجة بعض تداعيات مشروع سد النهضة. علما بان اي جهد يبذل مع اثيوبيا لن يكتب له النجاح الا اذا تم بتنسيق تام بين القاهرة و الخرطوم. وهو ما ينقلنا الي النقطة الاخري التي اشرت اليها في البداية , و المتمثلة في اساءة الظن بالخرطوم. الذي يتعين تصويبه بسرعة. واحدث تجليات تلك الاساءة ان بعض الصحف المصرية ذكرت ان السودان تخلي عن موقف التنسيق مع مصر في موضوع النهضة , الذي تعرضت له من قبل. وتساءلت عن مدي صحة الخبر. وقد تلقيت تعليقات عدة حول ما كتبت بعضها معاتبا وبعضها متهما القاهرة بانها تري مصالحها فقط ولا تضع مصالح السودان في الاعتبار.

وقد ذكرني بعض القراء بان بناء السد العالي في مصر ادي الي اغراق 24 قرية سودانية وتدمير مليوني نخلة , ولم تستفد منه السودان من اي جهة , لكنه كان ضارا بها من كل ناحية , ومع ذلك فان السودان سكت ولم يعبر عن اي استياء او غضب. وفي حالة سد النهضة فان السودان يري فيه فوائد كثيرة منها انه يجنبه الفيضانات ويزيد من طاقته الكهربائية ويخفف من عبء الطمي الذي يعاني السودان منه كل عام. في الوقت نفسه فان تضرر السودان من اية اخطاء في بناء السد الاثيوبي امر اخطر بكثير مما يمكن ان يصيب مصر. مع ذلك فان الخرطوم شديدة الحرص علي استمرار التنسيق مع مصر , وهم يشكون من تراخي البيروقراطية المصرية في دفع ذلك التنسيق وتنشيطه. ليس لدي رد علي تلك الملاحظات , لكني اجدها جديرة بالتسجيل , علي الاقل حتي لا يستمر سوء الظن بالخرطوم وحتي نستمع الي وجهة النظر الاخري.

سيف الدين عبد الفتاح يكتب عن القاضي و وظيفته في السياسة و الكفاح


نتذكر الحديث عن الوظيفة السياسية للقاضي من كلام لاستاذنا الدكتور حامد ربيع , الا انه يجب ان نميز ومنذ البداية بين هذا المفهوم وبين ما يدور علي الالسنة من تسييس القضاء , فالوظيفة السياسية للقاضي شان يتعلق بالوظيفة الاجتماعية و السياسية للقانون , وارتكاز مؤسسات العدالة علي رؤية مجتمعية واضحة تعبر في الحقيقة عن وعي القاضي بتحديات مجتمعه وبقدراته , بل ان الامر يصل في ذلك الي ان يقوم القاضي بارشاد مجتمعه الي نقص تشريعي هنا او هناك و التاكيد علي معايير العدالة المنصفة في رؤيته لمؤسسات المجتمع وقضاياه الاساسية , اما التسييس فهو عمل قد تقوم فيه المؤسسة او بعض منها بدور تتبني فيه موقفا سياسيا مغلقا وتحاول ان تدافع عنه وتصير قبيلة من القبائل.

بين هذا وذاك يولد قاض شامخ مقتدر , وقاض غير قدير مبتسر يبدو وكانه منسحب من مجتمعه ولا يعيش في محضنه , نتذكر كل ذلك بمطالعاتنا لحيثيات محكمة جنايات القاهرة لحكمها في قضية التمويل الاجنبي لمنظمات المجتمع المدني , ونحن هنا لا نناقش الحكم في منطوقه وتوابعه , ولكننا نحاول ان نتوقف عند بعض العلامات المضيئة التي اطلقتها هيئة المحكمة في حيثيات حكمها برئاسة المستشار مكرم عواد وعضوية المستشارين صبحي اللبان وهاني عبد الحليم , هذه الحيثيات التي تعبر عن وعي سياسي حاد بطبيعة ازمة المجتمع المدني و الاهلي في مصر , و التي افتتحت بمخاطبة كل الجهات المعنية بتشجيع الجمعيات الاهلية وجمعيات حقوق الانسان التي لا تبغي سوي الحق و الارتقاء بصرح الديمقراطية في المجتمع بوعي ونية خالصة.

واعقب ذلك دعوة قاطعة لطبعة نابعة للمجتمع المدني و الاهلي حينما تؤكد هيئة المحكمة علي ان يتم تمويل هذه الجمعيات من الداخل حتي لا تحوم حولها الشبهة , او يلعب بها الغرض لتعبر بذلك عن حقيقة ازمة التمويل في المجتمع المدني و الاهلي و التي تعبر عن مدخل من مداخل الشبهة ومداخل الشيطان , اكثر من هذا فقد طالبت المحكمة باصول قواعد المحاسبة و الرقابة و المساءلة و الشفافية باجراء التحقيق مع المنظمات و الجمعيات و الكيانات التي طلبت تمويلا من بعض الدول العربية و الاجنبية اسوة بما تم مع المنظمات المعنية.

بل انها وصفت عملية التمويل تلك بانها شكل من اشكال السيطرة و الهيمنة الجديدة ولنتوقف عند هذا النحت البليغ حينما تؤكد ان عمليات التمويل ليست الا ' استعمارا ناعما ' اقل كلفة من حيث الخسائر و المقاومة من السلاح العسكري , تنتهجه الدول المانحة لزعزعة امن واستقلال الدول المستقلة التي يراد اضعافها وتفكيكها , ان هذه الرؤية الثاقبة تعبر عن فهم حاد وبصيرة جادة للآثار المترتبة علي التمويل الاجنبي للمجتمع المدني و الاهلي المصري.

●●●

وبتعبير فاق كل الاوصاف لحال مصر وحقيقة الثورة المصرية في الخامس و العشرين من يناير يؤكد علي وضع القضية التي تتعلق بمؤسسات المجتمع المدني و الاهلي في سياقاتها المجتمعية و السياسية . فتؤكد المحكمة في حيثياتها ازاء تردي الاوضاع السياسية و المجتمعية في مصر واحساس الشعب بضعف ورخاوة الدولة وتفككها وانه ترك مصيره في يد جماعات سياسية ' عصابة ' تحكمها المصالح الخاصة ولا يحكمها الولاء للوطن , اندلعت في 25 يناير 2011 ثورة شعبية حقيقية لازاحة هذا الركام عن كاهل الشعب المصري وكسر قيود الهيمنة و التبعية و الارتهان الاسرائيلي , فاوجس ذلك في نفس الولايات المتحدة الامريكية و الدول الداعمة للكيان الصهيوني خيفة ورعبا , فكان رد فعل امريكا انها رمت بكل ثقلها ضد هذا التغيير الذي لم تعد آلياتها القديمة قادرة علي احتوائه.

ان هذه التعبيرات الجازمة التي تعبر عن رؤية عميقة للارتباط بين الداخل و الخارج انما تعبر عن نظر ثاقب يضع المسائل في نصابها ويقدم الوصف و التحليل الدقيق في هذا المقام موضحا ان مسالة التمويل الاجنبي اتخذت ابعادا جديدة في محاولة لاحتواء الثورة وتحريف مساراتها وتوجيهها لخدمة مصالحها ومصالح اسرائيل فكان من مظاهره تاسيس فروع لمنظمات اجنبية تابعة لها داخل مصر خارج الاطر التشريعية لتقوم بالعديد من الانشطة ذات الطابع السياسي للاخلال بمبدا السيادة وهو المبدا المتعارف عليه و المستقر في القانون الدولي ويعاقب عليه في جميع دول العالم ومن بينها الولايات المتحدة الامريكية نفسها.

وياتي قمة الحس السياسي لدي هيئة المحكمة حينما تطالب وتذكر الجميع وتنعش الذاكرة الجمعية بسرعة انهاء التحقيق مع كل من المتهمين الاجانب من الهرب لتعبر بذلك عن قمة المسئولية القضائية التي تعد جزءا لا يتجزا من المسئولية العامة حينما تشير الي حادثة مريبة يجب الا تمر مرور الكرام حتي تكتمل اركان العدالة واصول المحاسبة الناجزة و المنصفة وهي بذلك تشير ومن كل طرف الي تلك المؤامرة التي ادت الي تهريب هؤلاء المتهمين لتعبر بذلك ان العدالة لا تعرف من هو صاحب قوة او وراءه دولة صاحبة سطوة.

●●●

وانتهت المحكمة في حيثيات حكمها الي انه لا يتصور عقلا ومنطقا بان لامريكا او لغيرها من الدول الداعمة للكيان الصهيوني اي مصلحة او رغبة حقيقية في قيام ديمقراطية حقيقية في مصر , فالواقع و التاريخ يؤكدان ان تلك الدول لديها عقيدة راسخة بان مصالحها تتحقق بسهولة ويسر مع الديكتاتوريات ويلحقها الضرر مع الديمقراطيات الحقيقية.

هذه الحيثيات المهمة انما تقدم قراءة عميقة لنظام قامت عليه ثورة و هي تقدم المسوغات لمحاكمة سياسية بامتياز لنظام مبارك الذي افسد و مرت هذه الجرائم من تحت بصره , و هذا الحكم اذ يمثل ابلغ تمثيل للوظيفة السياسية و الكفاحية للقاضي حينما يعبر عن هموم مجتمعه و يرشد كل من يهمه الامر الي الاطار الذي يمكن ان يصاغ فيه قانون رصين للمجتمع المصري و الجمعيات الاهلية يعبر عن طبعة نابعة لا تابعة .

معتز بالله عبد الفتاح يكتب : على مرسي الخروج للناس بكشف حساب سنة الحكم الأولى و الا الاستقالة


هل اخطا المصريون بانتخاب الدكتور مرسي , ام اخطا مرشحو الثورة بان تنافسوا لصالح غيرهم سواء من الاخوان او من النظام القديم؟

المصريون قرروا ان يجربوا شيئا جديدا , ان ينتخبوا نمطا مختلفا من التفكير و الادارة , نمطا ادعي انه افضل وانه لو اُعطي الفرصة فسيحقق نجاحات لا يحققها غيره . لذا انتخبوا الدكتور مرسي. وتقديري المتواضع ان قطاعا واسعا من المصريين بمن فيهم غير مناصريه تفاءل خيرا واعطي دعما مشروطا للرئيس الجديد , لكن الشروط كانت مرتبطة بالانجاز.

وربما تتذكرون حضراتكم انه في يونيو 2012 , وقبل انتخابات الرئيس , حددت مهام الرئيس الجديد , ايا من كان , في خمس جمل , ونصحت من يشغل المنصب ان يكتبها او يكتب مثلها ويضعها امامه علي مكتبه , وهو ما افعله انا دائما حين يكون عندي مهمة جديدة. وبالمناسبة انا اكتب هذا المقال وعندي ورقة مكتوب عليها : ' لماذا نتخلف ويتقدم غيرنا؟ ' وهي بالنسبة لي العبارة المفتاحية التي تشكل بالنسبة لي البوصلة في ما اكتب وفي ما اقرا وفي ما اقول.

لذا تمنيت علي الرئيس آنذاك ان يكتب هذه الجمل : ' امن بلا استبداد , تنمية بلا فساد , دستور جامع بلا استبعاد , واخراج العسكر بلا عناد , ودور اقليمي نشط بلا استعداء ' .

وبعد عدة اشهر كتبت مقالا سجلت فيه تعليقي علي اداء السيد الرئيس. واعلم ان كثيرين يختلفون معي في فكرة التقييم اصلا , لكن حتي الطالب الذي يمر بامتحان صعب عليه ان يوضح اسباب الصعوبة وما هو في اطار سيطرته وما هو خارج عنه.

حين جاء الرئيس مرسي الي السلطة ظننت انه قادر علي ان يحقق هذه الخماسية -- الاشارات الاولي كانت ايجابية , رجل حريص علي ان يستمع للجميع وان يتفاعل مع بعض معارضيه ويشكل فريقا رئاسيا متنوعا لحد ما , حتي ان كان اقل مما التزم به من وعود اثناء الفترة الانتخابية. كان اول انجازاته هو اخراج العسكر من اللعبة السياسية بطريقة موفقة , وهذا كان جزءا من اهدافي المتواضعة منذ ان بدا , وقلته مرارات وتكرارا , هدفنا ان يسلم المجلس العسكري السلطة بسرعة ويخرج منها سليما لاننا نخاف منهم ونخاف عليهم. نخاف منهم لان السلطة شهوة , وفي حالتنا هذه فان استمرار العسكر في السلطة يعني ان الثورة كانت انقلابا عسكريا في نهايتها رغم انها كانت ثورة شعبية في بدايتها. كما انني كنت اخشي علي القوات المسلحة من الانقسام , سواء الافقي او الراسي , وكما قال اللواء عبدالفتاح السيسي في لقاء له مع عدد من الناس في مرحلة ما قبل توليه لمسئولية وزير الدفاع : ' لو الدولة لا قدر الله وقعت , القوات المسلحة تقومها من تاني , لكن لو القوات المسلحة وقعت , ما حدش هيقومها ولا هيقوم البلد من تاني ' . و الكلام صحيح , الا عند المواطنين ' المماطفين ' الذين كنت اتحدث عنهم بالامس في برنامج ' باختصار ' . حيث هؤلاء لا يرون ولا يسمعون الا اصواتهم الحمقاء التي يمكن ان تفضي بنا جميعا الي الهاوية.

انظر حولك , انظر الي دول وجيوش المنطقة -- معظم العرب اصبحوا بلا سيف ولا درع -- وهذا ما لا نريده لبلدنا او لجيشنا. الاهم ياتي بالضرورة قبل المهم. اذن علي هذا المستوي , نجح الدكتور مرسي ان يُخرج العسكر من اللعبة السياسية , لكنه مع الاسف اساء ادارة الملفات الاخري واصبح هناك من يراهن علي عودتهم , وهو خطر فوق كل خطر.

من المهام الخمس للرئيس كان الدور الاقليمي النشط وكانت مقدماته جيدة بعدد من الزيارات , لكنه فجاة توقف ولم تزل العلاقة مع بعض الدول المفتاحية في المنطقة يغلب عليها الركود بل العداء. و العجرفة المصرية التقليدية اختلطت علي صانع القرار السياسي , فلا كسب المترددين في دعم مصر ولا نجح في ادارة الملفات الخارجية علي نحو يضمن مصالحنا الحيوية. ولم يزل الاجتماع ' السري العلني ' الشهير بشان مياه النيل علامة بارزة علي سوء ادارة الدكتور مرسي للبلاد.

اما الدستور الجامع بلا استبعاد فكان متفقا مع الوعد الرئاسي بدستور توافقي , وهو المنطقي من اي رئيس يدرك مخاطر قيادة سيارة اهلها متصارعون. وكانت امامه الفرصة , سواء لو تم حل الجمعية التاسيسية , وهذا ما اقترحته , او مضي وقتها دون اتمام عملها بان يشكل لجنة من قانونيين دستوريين مستقلين لمراجعة الدستور وتقديمه للاستفتاء بعد التخلص من المواد الخلافية . اما بردها الي اصولها في دساتير مصر السابقة , واما بالغائها وتركها للبرلمان. وهذا الكلام جاء في هذا العمود اكثر من مرة خلال الشهر السابق علي الاعلان الدستوري في نوفمبر 2012 , ووصل الي مؤسسة الرئاسة باكثر من طريق. كنت اقول هذا وانا علي يقين ان التوافق داخل ' التاسيسية ' كان مستحيلا حتي لو ظلت الجمعية في عملها لشهور . لان الخلافات استحكمت لدرجة لا يمكن معها الاتفاق , لا سيما مع تغيير بعض المنسحبين لآرائهم عدة مرات بشان القضية الواحدة علي نحو جعل الحوار في بعض فتراته عبثيا. لكن الرئاسة فقدت احد اهم مقومات اي رئاسة , وهي سمعتها بانها تفي بالعهد وتلتزم بالوعد . فلا الدستور جاء جامعا رغم ان الكرة كانت في ملعب الرئيس , ولا مجلس الشوري , الذي كان الوعد ان يتم تعيين 90 من المعارضة فيه لتصبح نسبة سيطرة التيار المحافظ دينيا في حدود 55 في المائة , لكن هذا نفسه لم يتم الالتزام به من الرئيس.

المعضلة هنا ليست في ما مضي فقط , ولكن كيف يحكم الرئيس بعد ان فقد جزءا كبيرا من مصداقيته؟ هناك قرارات كثيرة صعبة جدا سيحتاج معها دعما سياسيا وشعبيا كبيرا لا يمكن ان يحصل عليه الا بدعم معارضيه له , وهذا ما كان يفعله الرئيس مبارك في بداية فترة حكمه , وما انقلب عن التشاور مع معارضيه الا في السنوات العشر الاخيرة من حكمه , لكن يبدو ان الرئيس الحالي قرر ان يبدا من حيث انتهي ' مبارك ' , وهي بداية غير موفقة بالمرة.

اما جملة ' امن بلا استبداد ' فقد اصبحت هي الاخري في مهب الريح علي نحو يثير التساؤل. اين وزارة الداخلية من تطبيق النص الدستوري القائل : ' ويجب ان يبلغ كل من تقيد حريته باسباب ذلك كتابة خلال اثنتي عشرة ساعة , وان يقدم الي سلطة التحقيق خلال اربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته , ولا يجري التحقيق معه الا في حضور محاميه , فان لم يكن , نُدب له محام. ولكل من تقيد حريته , ولغيره , حق التظلم امام القضاء من ذلك الاجراء و الفصل فيه خلال اسبوع , والا وجب الافراج عنه حتما ' ؟ هل استبدلنا بالسجّان القديم سجانا آخر؟ وهل نصنع ديكورا ديمقراطيا يخفي وراءه الديكتاتورية الجديدة؟

اما التنمية بلا فساد , فاصبحنا نشكو من اننا نعيش في فساد بلا تنمية.

ضع كل ما سبق في اطار التساؤل الاساسي , ليس : لماذا يتمردون؟ ولكن لماذا لا يتمردون وقد خلقنا لهم البيئة الملائمة تماما للتمرد؟

ما الذي يمكن ان يفعله الرئيس؟ عليه ان يخرج علي الناس ليناقش معهم كل محور من هذه المحاور : يوضح ما نجح فيه , ويفسر ما اخفق فيه , ويعتذر عمّا قصر فيه , والا فليستشعر الحرج ويعلن الاستقالة.

أحمد منصور يكتب : تمرد خارج الصندوق و رافض للانتخابات و الديمقراطية


يبقي صندوق الانتخابات هو الحكم النهائي لكل الذين ارتضوا ممارسة الديمقراطية او الشوري الملزمة , وهناك زعامات عالمية كثيرة صنعت التاريخ و الحضارة لبلادها , لكن الشعب اعلن عن رفضه لها عبر الصندوق , وقد سبق ان ذكرت كيف ان شخصيات كانت تحظي بحجم كبير من الرضا في بلادها سرعان ما سحب الشعب ثقته منها , وضربت مثلا بتركيا كيف ان نجم الدين اربكان كان يحظي بنسبة 29 في المائة في الانتخابات التي شكل فيها حكومة ائتلاف مع تانسو تشيلر لم يرض الشعب عن ادائه بعد ذلك فمنحه 2 في المائة فقط في الانتخابات بعد ذلك , وكيف ان بولنت اجاويد رئيس الوزراء التركي السابق كان الشعب قد منحه 27 في المائة لكنه حينما لم يرض عن ادائه منحه بعد ذلك منحه 1.5 في المائة فقط , وهذا الامر حدث في بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية رغم ان ونستون تشرشل هو الذي جلب النصر للبريطانيين في الحرب الا ان الشعب تخلي عنه في الانتخابات واختار غيره , ومعظم الحكومات التي تاتي بعد ثورات او انتفاضات لانها ترث ميراثا ثقيلا فان الشعب سرعان ما يغيرها في الانتخابات التالية , ورغم ان رجب الطيب اردوغان نقل بلاده الي مصاف الدول المتقدمة الا ان جزءا من الشعب حينما ثار عليه قال لهم ' الانتخابات بعد سبعة اشهر ويمكنكم اسقاطنا عبر الصندوق وليس عبر الفوضي في الشوارع ' , لذلك فان ما يحدث في مصر منذ شهر اغسطس الماضي 2012 هو شيء يتجاوز كل الممارسات الديمقراطية ويدخل في اطار ممارسات تحمل كثيرا من علامات الاستفهام و التعجب , لعلي عبرت عن انتقادي لاداء الرئيس محمد مرسي عبر عشرات المقالات خلال الاشهر الماضية , لاؤكد هنا عدم رضائي عن الاداء السياسي لمن يحكم , وربما الارث الثقيل وعدم الخبرة و التحديات الداخلية و الخارجية تلعب دورا في هذا الاداء لكن ما تقوم به المعارضة المصرية ان كان هناك معارضة بالمفهوم السياسي للكلمة يؤكد ان هناك من يخطط من وراء الكواليس ويدفع بالمخلصين من ابناء الشعب الي اتون الفوضي , بعد شهرين فقط من تولي الرئيس محمد مرسي السلطة بدات سلسلة من محاولات اسقاط النظام خارج اطار الصندوق , عبر اغلاق ميدان التحرير وبث الفوضي و الاضرابات المتتالية وقطع الطرق ومحاصرة قصر الاتحادية ومحاولة اقتحامه اكثر من مرة , وتواطؤ جهات من النظام القديم في الدولة مع اطراف داخلية وخارجية كلها تعمل علي عدم استقرار مصر حتي ذكر ان حجم ما تم ضخه من اموال من اجل صناعة هذه الفوضي بلغ ستة مليارات من الدولارات , اين هو ذلك الرئيس في اي مكان في العالم الذي استطاع خلال عام من الحكم ان ينقل بلاده من مستنقع الفساد المالي و الاداري و السياسي الي حالة الاستقرار و النمو؟ اين هو ذلك الرئيس الذي يواجه بعد شهرين من اختياره حركات تعرقل مسيرة الدولة في الشارع وتقوم بالهجوم علي القصر الرئاسي ومؤسسات الدولة لدفعها للتمرد ثم يتهم بالفشل مع ماكينة اعلامية فاسدة ومحرضة؟ ان الحكم علي اي رئيس يكون بعد انتهاء مدة رئاسته عبر الصندوق ليقول له الشعب احسنت فيعيد انتخابه او اسات فينتخب غيره اما دفع البلاد للفوضي عبر التمرد خارج الصندوق فانه جريمة بحق الوطن يجب علي كل المخلصين مواجهتها ووضع حد لها.

منع مصر من تحقيق الاكتفاء الذاتي و حكاية حرب القمح وائل قنديل


يعلم كل من يمتلك قلبا سليما في هذا البلد ان كل طن زيادة في انتاج القمح في مصر , يعني ابتعادا بمسافة محترمة عن عار التبعية الغذائية , واقترابا من التحرر الوطني و الاقتصادي.

ويدرك كل من يمتلك عقلا ان واشنطن كانت تعتبر تفكير اية دولة صغيرة او كبيرة في تحقيق اكتفائها الذاتي من القمح وتوقفها عن مد يدها للولايات المتحدة كي تاكل هو خط احمر يستحق من يتجاوزه العقاب. لذلك يبدو غريبا وصادما هذا الاستحلاب الطفولي لاية تصريحات وبيانات تنفي وصول مصر الي تحقيق طفرة في انتاج القمح هذا العام , خصوصا حين يكون في الامر غرض و الغرض مرض كما تعلمون. وقد اعادتني هذه الحالة لحكاية مضي عليها ثلاثة اعوام سجلتها في هذا المكان تحت عنوان ' البلد رايحة في ستين داهية ' بتاريخ 17 اغسطس 2010.

اثناء افتتاحه لمحور صفط اللبن وامام الكاميرات و الميكروفونات سال الرئيس مبارك الوزراء الحاضرين تعليقا علي ازمة القمح الروسي : الم انبه الي هذه المشكلة منذ خمس او ست سنوات؟ فانبري له احد الوزراء قائلا اننا لا نستطيع التوسع في زراعة القمح لانه سيستنزف كل حصة مصر من المياه , ثم امن رئيس الوزراء احمد نظيف علي الكلام امام الجميع , وسلامه عليكم -- عليكم السلام!

واليكم هذه القصة : اثناء مفاوضات الحكومة المصرية مع الامريكان بشان اتفاقية التجارة الحرة و التي تولاها الوزيران رشيد محمد رشيد ويوسف بطرس غالي , عاد كلاهما من امريكا وادليا بتصريحات مفادها ان واشنطن غير مرتاحة لوجود وزير زراعة مصري يتحدث كل يوم عن الاكتفاء الذاتي من القمح , وهو الامر الذي يثير غضب المزارعين الامريكان -- وقد كان -- تم اجلاء احمد الليثي عن وزارة الزراعة.

الطريف وكما كشف لي الوزير الليثي في دردشة رمضانية انه بعد خروجه من الوزارة باقل من اسبوع اعلن الوزير الذي حل محله امين اباظة بكل فخر اننا لسنا بحاجة لتبني سياسة الاكتفاء الذاتي من القمح طالما لدينا اموال نشتريه بها.

واليكم حكاية اخري رواها لي الوزير احمد الليثي : في عام 2005 كلف الليثي رئيس شركة ابي قير للاسمدة بانتاج مركب سماد مخصص للقمح فقط , وبالفعل تم انتاجه في شكائر مكتوب عليها ' يزيد انتاجية القمح بنسبة 15 في المائة ' فماذا حدث؟ بعد خروج الليثي او اخراجه من الوزارة جاء وزير الصناعة وطلب من رئيس شركة ابي قير ان ينسي هذا الموضوع لان هذه العبارة علي الشيكارة تثير غضب الامريكان وتستفزهم , وبالفعل الغي مشروع انتاج السماد!

وبراي الليثي ان الوحيد الذي كان قادرا علي تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح في مصر هو وزير الزراعة الذي سبقه يوسف و الي , بحكم ان الاخير قضي 23 عاما في الوزارة مدججا بترسانة هائلة من النفوذ السياسي باعتباره كان الامين العام للحزب الوطني و الرجل الاقوي في كل الحكومات التي تعاقبت عليه , غير انه عن عمد و مع سبق الاصرار لم يفعل , لم يسمح لمصر بان تكتفي ذاتيا.

الغاية شريرة و الوسائل منحطة و الهدف دفن الثورة وائل قنديل


لان الغاية شريرة , تاتي الوسائل ايضا غارقة في قاع الانحطاط , ولان المستهدف هو تشييع ثورة يناير الي مثواها الاخير , فان الادوات لا تقل خسة عما جري استخدامه من قبل في محاولات الاجهاز علي هذه الثورة.

ان اللعب يدور علي المكشوف الآن , ولا يخفي علي كل ذي عينين ان صدارة المشهد الثوري المزيف الآن يسكنها ما تبقي من ذيول دولة مبارك.

ولا جديد يذكر منذ احداث الاتحادية الاولي , سوي ان رغبات اراقة الدماء هذه المرة تبدو اكثر تصميما علي الانتقام من الثورة و الثار من كل اطرافها.

في 23 ديسمبر الماضي سجلت في هذا المكان ان ' في مصر الآن الكذب بدون حد اقصي , كل شيء مباح في معركة الفرصة الاخيرة التي يخوضها النظام القديم للعودة , برموزه الصريحة , ومعارضاته التي تغذت ونمت علي فساده.

لا سقف للاختلاق و التلفيق و التحريف و التخريف , اذ تعمل مضخات التفزيع ومنصات الترويع بكامل طاقتها , في محاولة اخيرة لنسف المرحلة بكل ما فيها , في مشهد لن تجد وصفا له الا في قصيدة صلاح عبدالصبور الخالدة ' الظل و الصليب ' التي يقول فيها ' هذا زمن الحق الضائع __ لا يعرف فيه مقتول من قاتله ومتي قتله __ ورءوس الناس علي جثث الحيوانات __ ورءوس الحيوانات علي جثث الناس __ فتحسس راسك ' .

وانظر حولك الآن __ ستجد ميكروفونات الثورة في ايدي الذين قامت ضدهم الثورة , ولن تعدم من يقول لك ببجاحة انها حالة مصالحة وطنية __

ستجد ايضا اعلاما واقلاما للثورة ' العكسية ' في ايدي حملة المناشف للمخلوع وولده , حملة المباخر لهذا النموذج من الحكام بامتداد الخارطة العربية , من مخلوع تونس الي مخلوع ليبيا , الي ذلك الآيل للسقوط في دمشق.

ثم انظر مرة اخري ستكتشف انك امام عملية تدوير لنفايات مبارك وعمر سليمان ومخلفات الجنرال الذي يطل علي المشهد من جحره , قائدا وزعيما وملهما ل ' الثورة علي الثورة ' __ ولن تري من تفاوت بين خطابه الركيك وخطاب الزعماء البائسين , الذين فضلوا الدخول في سبات عميق حين كانت الميادين تستصرخهم الا يخذلوها ' .

وها نحن امام تكرار للماساة ذاتها , غير انه وكما تكسرت سهام الخسة في المرة الاولي , ستتكسر في هذه المرة , ذلك ان للثورة ربا يحميها , فضلا عن انه في نهاية المطاف سيقف ابناؤها الاصليون امام مرآة الضمير وسيكتشفون بعد المسافة بينهم وبين ما آمنوا به في فجر يناير 2011.

ولن امل من التكرار : الثورات بالنيات كما قلتها في بدايات ظهور فلول مبارك في صدارة المشهد , و الحاصل انه لم تنجح ثورة 25 يناير في ازاحة المخلوع الا لانها كانت واضحة الهدف نقية الغاية , بعبارة واضحة كانت النية صافية ومخلصة ومن هنا نجحت خلال 18 يوما فقط في تحقيق مطلبها باسقاط مبارك وعصابته.

وقد قيل ويقال دوما ان هذه الثورة محاطة بعناية الله ورعايتها , لان انصارها اخلصوا النية وحددوا الهدف , ولذلك صمدت الثورة في وجه ضربات عنيفة ومحاولات اعنف لسحقها وازالتها من وجدان المصريين.

فهمي هويدي يكتب ربيع رفع الخمور في وجه أردوغان


ليس كل اعتصام او جلبة في الميدان ربيعا , تماما كما انه ليس كل اصفر يلمع ذهبا. فثمة ربيع يستهدف تغيير النظام كله , وآخر لا يذهب الي ابعد من المطالبة باصلاح النظام دون تغييره , وثالث لا يسكت علي بعض ممارسات النظام وانما يسارع الي انتقادها و اعلان رفضها.

وهو ما يسوغ لنا ان نقول بان الربيع مصطلح فضفاض له مراتب وتجليات عدة , يجمع بينها كسر حاجز الاستسلام و الصمت و الانتقال الي طور الرغبة في التغيير الي الافضل.

واذا صح ذلك التعريف وحاولنا تنزيله علي الحالة التركية التي نحن بصددها فسندرك اننا بصدد مشهد قد يقترب من ربيع الدرجة الثالثة , فلا هو دعوة الي تغيير النظام ولا هو مطالبة باصلاح سياساته في مختلف المجالات , ولكنه بدا احتجاجا علي بعض الممارسات مما هو مقبول ومتعارف عليه في الدول الديمقراطية وانتهي شيئا آخر مختلفا تماما.

قلت امس ان الساحة التركية تحفل بالتمايزات وتتعدد فيها مظاهر الاحتقان التي ترجع الي اسباب سياسية وفكرية وعرقية ومذهبية , قلت ايضا ان احزاب الاقلية فشلت في تحدي حزب العدالة و التنمية في الانتخابات , فاتجهت الي الشارع لكي توظفه في المشاغبة و المناكفة , ولم اذكر شيئا عن اسهام المصالح الخارجية في تصعيد القلق وتوظيفه , لانني لا املك دليلا عليه , رغم ان احدا لا يستطيع ان ينكره , فضلا عن ان ثمة قرائن عديدة تدل عليه , وحفاوة التصريحات الاسرائيلية بالمظاهرات التي سبق ان اشرت اليها نموذجا لذلك.

امس ايضا اشرت الي بعض العوامل التي اشاعت درجات من القلق في المجتمع التركي و الطبقة السياسية , لكن القلق تحول الي غضب واحتجاج من جانب النشطاء حين اقدمت حكومة حزب العدالة و التنمية علي خطوتين محددتين هما :
_ مشروع حظر بيع الخمور بعد الساعة العاشرة مساء , وتقييد الدعاية للخمور , مع الاستمرار في انتاجها , واشتراط ابتعاد محلات البيع بمسافة مائة متر عن دور العبادة ومدارس الاطفال.

_ مشروع تطوير ساحة ' تقسيم ' في استنبول من خلال اعادة بناء ثكنة عسكرية عثمانية كانت قد انشئت في عام 1780 وهدمت 1940 , ضمن اجراءات طمس معالم المرحلة العثمانية. وشاع في اوساط المهتمين بالبيئة ان ذلك من شانه تقليل المساحة الخضراء في ميدان تقسيم , وان المبني الجديد سيكون سوقا كبيرة ' مول ' تسهم في اختناق المنطقة.

موضوع تقييد بيع الخمور مر كمشروع قانون من البرلمان ' لم يوقعه الرئيس جول ' و قد رد ممثلو الحكومة علي المعترضين عليه بان هذه القيود مفروضة في بعض الدول الاوروبية الديمقراطية , كما انها تتوافق مع ارشادات منظمة الصحة العالمية . الا ان ذلك لم يقنع بعض المتظاهرين الذين خرجوا ملوحين بزجاجات و كئوس الخمر و يهتفون ' في صحتك يا طيب ' في حين هتف آخرون ' كلنا جنود مصطفي كمال ' ' يقصدون مصطفي كمال اتاتورك مؤسس الجمهورية الذي يعرف الجميع انه كان مدمنا علي الخمر ' .

اما موضوع تطوير ساحة تقسيم فانه كان قرارا اصدره مجلس بلدية استنبول قبل عدة اشهر , كما ان حزب العدالة و التنمية اعلن عنه خلال الانتخابات التي جرت في عام 2011. وقد دعا رئيس بلدية استنبول قادر طوب باش يوم اول يونيو الي عقد اجتماع لمناقشة الموضوع مع ممثلي منتدي تقسيم وغرفة المهندسين المعماريين , ولكن ضغوط المتظاهرين وانفعالاتهم حالت دون عقد الاجتماع.

الشاهد ان التظاهرات بدات من جانب اناس عاديين ارادوا الاحتجاج علي قانون تقييد بيع الخمور ومعهم آخرون معنيون بموضوع البيئة طالبوا بوقف مشروع تطوير ميدان تقسيم , وهؤلاء وهؤلاء ينتمون الي مختلف شرائح المجتمع غير المسيسة بالضرورة , لكن المجموعات الراديكالية قفزت الي المشهد , ممثلة في عناصر الحزب الشيوعي التركي و المنظمة الشعبية الثورية التي اتهمت بتفجير السفارة الامريكية في اول فبراير الماضي , ومعهم آخرون من المتطرفين العلمانيين و القوميين الذين حولوا الاحتجاج الجماهيري الي معارضة ايديولوجية وسياسية.

واستخدموا العنف في مواجهة الشرطة , التي اخذ عليها انها افرطت بدورها في التعامل بعنف مع المتظاهرين , وهو ما اسهم في رفع منسوب الغضب وتوسيع نطاقه. كما اخذ علي اردوغان انه استخدم مفردات خشنة حين وصف المتظاهرين بانهم لصوص وغوغاء , وقيل بعد ذلك انه كان يقصد المتطرفين الذين استخدموا العنف وكانوا في مقدمة مؤيدي الانقلابات العسكرية ودعاة قمع الاكراد و المروجين للقومية التركية المتعالية.

ان المرء حين يدقق في التفاصيل جيدا يكتشف ان ما حدث في تركيا صخب داخلي ليس له علاقة باي ربيع , حتي اذا كان من الدرجة الثالثة.

وائل قنديل يكتب عن روائح الدم القادمة و عبير القمح


عندما كتبت ابتهاجا بالارتفاع التاريخي في محصول القمح المصري هذه السنة , وصلتني رسالة من شخصية وطنية عريقة في حقل السياسة المصرية تتهمني بالمشاركة في خداع المصريين , وفي الحد الادني من رسالتها الحانقة علي الكلام عن انجاز القمح تعتبرني مضللا ' بضم الميم وفتح اللام ' ومضحوكا علي وغارقا في الوهم , اذ قالت نصا ' اكذوبة ارتفاع انتاج القمح سوف يفضحها الفلاحون انفسهم ' .

في ذلك اليوم واحتراما لتاريخ هذه الشخصية اجريت اتصالات بمجموعة من زراع القمح في اكثر من مكان فاكدوا لي ان هناك بالفعل زيادة كبيرة في الانتاج , وتواصلت مع النقابة العامة للفلاحين , وهي نقابة مستقلة اقرب للمعارضة منها الي مؤسسة الحكم فاكدوا لي حدوث هذه الزيادة , وان تحدثوا عن مشاكل تتعلق بالتوريد و التخزين يمكن حلها , وهذا ما شدد عليه نقيب الفلاحين في حوار مع احدي الفضائيات التي تكره رائحة الخبز وتطرب كثيرا لرائحة الدم , ولم تفلح محاولات المذيعة المتوثبة لافتراس الضيف وانتزاع تصريحات منه تنفي معجزة الوصول بانتاج القمح الي ارقام غير مسبوقة , فحولت مجري الحديث الي مهاجمة الحكومة واعتبار ان هذا الانجاز صنعه الفلاح وحده لكنه انجاز منقوص.

ومنذ ايام قلائل تلقيت دعوة كريمة من النقابة العامة للفلاحين لحضور حفل تكريم لزراع القمح الذين حققوا ارقاما قياسية في الانتاج هذا العام , و الاحتفال بالمعجزة التي تحققت لاول مرة في تاريخ زراعة القمح في مصر.

وبالطبع لن تحظي هذه المناسبة السعيدة باهتمام من وسائل اعلام تكره الاخضر وتعشق الاحمر القاني , لا تستهويها ارادة الزرع و النماء بقدر ما تسيل لعابها روائح الدم وادخنة الحريق , وتوصل الليل بالنهار استدعاء للمجزرة وتهيئة للمحرقة.

واذا كانت قضية بحجم قضية نهر النيل وما يتهدده من اخطار قد تراجعت حتي تكاد تختفي في قائمة اولوياتهم , فهل سيتذكرون القمح او الفلاح؟

لقد كان هيجل الفيلسوف الالماني الاشهر يقول : ' ان بومة منيرفا لا تبدا في الطيران الا بعد ان يرخي الظلام سدوله ' , وما اكثر البوم الذي يطل علي مصر منذ شهور صانعا حالة من الاعتام التام ومحدثا جوا من الظلام و السواد كي يحلق فرحا فوق خرائب لا يريد ان يري سواها , ومن ثم كان من الطبيعي ان تصوب دانات الاعلام الكاره لكل بادرة امل ذخيرتها ضد كل ما تشتم منه رائحة انجاز او نجاح.

ان امراء الانتقام المتعطشين لمزيد من الدم لا يريدون ان يروا مصر الا خرابة هائلة , ومنطقي في هذه الوضعية ان يكون نجوم المرحلة هم الاكثر حماسا لاراقة الدماء واشعال الحرائق , فيما يسقط الزارع و الصانع و العامل الكادح من ذاكرة بارونات الجحيم.

ومن الآن وحتي 30 يونيو الجاري سوف تستمر ماكينات الكراهية تعمل بكامل طاقتها لانتاج المزيد من اسباب الصدام ودوافع الانتحار , اذ صار بعضهم لا يري مانعا في اعلان استعداده لحرق مصر كلها وهدمها علي رءوس من فيها كي يسترد دولته التي اسقطها شعب القمح في يناير عام 2011.

ومن اسف ان ابطال ثورة الكرامة الانسانية ارتضوا لانفسهم بعد ثلاثين شهرا من اجتراح المعجزة التي اذهلت العالم ان يلعبوا دور ' الكومبارس ' في ثورة امراء الانتقام المضادة.

وكما حمي الله هذه الثورة في مواجهة اعتي الضربات , وكما احتضنها الشعب ودافع عنها بصدور عارية فانه لن يخذلها هذه المرة ويتركها تسقط تحت اقدام جحافل الظلام.

عمرو حمزاوي يفضح فاشية جبهة الانقاذ


كتب عمرو حمزاوي في مقاله المنشور اليوم الأربعاء 12 يونيو ... ومصدر الافساد , اولا , هو الابتعاد عن الجوهر الديمقراطي و السلمي للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة بسبب انهيار الشرعية الاخلاقية للرئيس واستمرار غياب شرعية الانجاز و الانزلاق الي مطالب فاشية بالاقصاء المجتمعي و السياسي للاخوان ومؤيديهم وبقية تيارات اليمين الديني و الترويج لقمعهم و ' اعادتهم ' الي السجون , وكان الوطن ليس وطنهم هم ايضا وكان سبيل الانتصار للديمقراطية هو نزع المواطنة عن الاخوان و السلفيين وغيرهم وليس حملهم علي احترام حقوق وحريات الآخرين.

ومصدر الافساد , ثانيا , هو تورط بعض السياسيين و الشخصيات العامة من مدّعي الثورية او محدثيها في انتاج مقولات ' اما نحن او هم ' الفاشية و الترويج لها عبر استغلال المطالبة الشعبية بانتخابات رئاسية مبكرة وبالقفز علي حملة تمرد السلمية. هذه المجموعة من السياسيين و الشخصيات العامة هي ذاتها التي لم ترد للجيش خروجا من السياسة ولم تكف عن تجديد التوسل للعسكر لكي يعودوا الي الحكم منذ 1 يوليو 2012. هذه المجموعة , التي تتحمل بجانب انفرادية الاخوان وضيق افقهم مسئولية تعثر مسارات التحول الديمقراطي خلال العامين الماضيين , تعود اليوم لتنتج ذات البحث عن الجيش كملاذ اخير في بيانات للاحزاب وللجبهات ولتطل بذات الوجوه عبر شاشات الفضائيات داعية الجيش لحماية البلاد من الفوضي في 30 يونيو.

ومصدر الافساد , ثالثا , هو عسكرة 30 يونيو في المخيلة الجماعية للمصريات وللمصريين , وذلك عبر الحديث المتواتر لبعض السياسيين و الاعلاميين المؤيدين للتظاهرات عن ' مواجهات محتملة مع ميليشيات الاخوان ' , وعن ' استعداد الشباب لصد جميع الهجمات ' , وعن المشاركة في التظاهرات ' فاما يرتفع الصوت واما ينزل الموت ' , وغيرها من الصياغات التي تستدعي احتمالية العنف وتصنع بطولات استشهاد زائف. وبالقطع يتورط في العسكرة ايضا المتشددون و المتطرفون ومتقمصو ادوار جنرالات الحرب في مساحة اليمين الديني وكتاب بيانات التهديد و الوعيد لمتظاهري 30 يونيو.

ومصدر الافساد , رابعا , هو طرح بعض الاحزاب و الجبهات المؤيدة ل30 يونيو لتصورات ل ' اليوم التالي ' تتناقض بوضوح مع الجوهر الديمقراطي للانتخابات الرئاسية المبكرة. اعادة تدوير مطلب المجلس الرئاسي المدني , و الدعوة الي تعطيل الدستور و القوانين , وبكل تاكيد حث الجيش علي التدخل ' للحماية وليس للحكم ' تعد جميعا خروجا علي الديمقراطية. وفي التحليل الاخير , تمثل هذه المطالب انقلابا علي الحياة السياسية الطبيعية التي نسعي للانتصار لها عبر صندوق الانتخابات , ومقدمات فشل حتمي تماما كما فشلت ذات المطالب من قبل.

ومصدر الافساد , خامسا , هو غياب رؤية واضحة لادارة مرحلة ' ما بعد الانتخابات الرئاسية المبكرة ' علي امل نجاح الضغط الشعبي في فرضها.

الاجدر باحزاب وجبهات المعارضة , عوضا عن انتاج مقولات فاشية و الانقلاب علي الجوهر الديمقراطي وعسكرة 30 يونيو في المخيلة الجماعية , هو صياغة رؤية محددة باجراءات مجتمعية واقتصادية وسياسية لمباشرة انقاذ مصر بعد الانتخابات المبكرة. ودون صياغة هذه الرؤية واعلانها علي الراي العام نعرض بلادنا لمخاطر عظيمة ونباعد بين الكثير من المواطنات و المواطنين و المشاركة السلمية في 30 يونيو.

حقائق أبعد من أحداث ميدان تقسيم فهمي هويدي


الحدث التركي لم يكن وحده الذي فاجانا خلال الايام الاخيرة , لاننا فوجئنا ايضا بسيل الكتابات و الفتاوي التي تعرضت له من جانب المتعجلين و المتصيدين و الهواة , و الاخيرون اصبحوا اكثر من الهم علي القلب.

وهو ما لاحظه في وقت مبكر الاستاذ احمد بهاء الدين الذي ازعم انه احد اهم واعمق الكتاب و المحللين السياسيين المصريين الذين ظهروا في الخمسين سنة الاخيرة. حتي سمعته ذات مرة يقول انه بعد ظهور الهواة في الساحة فانه بات يتساءل عما اذا كانت الكتابة لاتزال قيمة حقا , ام انها اصبحت تعبيرا عن قلة القيمة؟!

يحضرني السؤال بشدة في الوقت الراهن , الذي تتسم فيه كتابات بعض الهواة بجراة ملحوظة علي المعرفة تقترن بشح في التحصيل فضلا عن التدقيق , وجدت ذلك واضحا في اصداء الحدث التركي المتمثل في المظاهرات التي خرجت في استنبول وانقرة ومدن اخري في بداية شهر يونيو الحالي.

حين اسقط عليها كثيرون مشاعرهم ومواقفهم ازاء الحالة المصرية , واعتبروها مواجهة بين القيادات الدينية و المدنية , محورها قضية الديمقراطية , وهو ما ادعي انه اختزال وتبسيط يبتسر الصورة ولا يساعد علي فهم ما جري , في هذا الصدد ازعم ان فهم ما حدث في تركيا يتطلب استدعاء بعض المعلومات الاساسية التي منها ما يلي :

_ ان حزب العدالة و التنمية الحاكم ليس حزبا اسلاميا ولا هو جزء من الاسلام السياسي , رغم ان مؤسسيه ملتزمون دينيا , واغلبهم انتمي في السابق الي حزب الرفاه الذي اسسه نجم الدين اربكان تحت اسم آخر ' النظام الوطني ' في عام 1970 , لكنهم خرجوا من الحزب بعدما طوروا افكارهم واختاروا ان يشكلوا حزبهم المستقل , الذي ارادوا له ان يكون حزبا علمانيا يضم المحافظين في تركيا. وطبقا لاستطلاع للراي اجري في سنة 2009.

فان الذين يعتبرون انفسهم ' اسلاميين ' من اعضاء الحزب لا تتجاوز نسبتهم 27 في المائة , اي اكثر من ربع الاعضاء بقليل , اما الباقون فهم اما مواطنون مستقلون محافظون او كانوا اعضاء في احزاب يمينية اخري.

_ تحفل الساحة التركية ولاسباب تاريخية يطول شرحها بالتيارات المتصارعة علي مختلف الاصعدة السياسية و العرقية و المذهبية و الفكرية. بحيث يمكن القول بان البلد يعد خزانا للاستقطاب بمختلف اشكاله.

فثمة استقطاب المحافظين في مواجهة العلمانيين , و الليبراليين في مواجهة اليساريين و الثوريين , و السنة في مواجهة العلويين , و الاتراك في مواجهة الاكراد. وهناك تعصب ضد الارمن و اليهود. وفي اوساط القوميين بقايا تعصب ضد العرب ايضا. وهذا التشتت كان احد الاسباب وراء تتابع تشكيل الحكومات الائتلافية في تركيا , الذي اسهم في عدم الاستقرار السياسي طول الوقت.

وكانت ابرز فترات الاستقرار تلك التي اعقبت تولي حزب العدالة و التنمية للسلطة بعد فوزه بالاغلبية في الانتخابات التي جرت عام 2002. بسبب من ذلك فان احزاب الاقلية و الجماعات التابعة لها وقفت موقف المعارض له و المتربص به. ولانها فشلت منذ ذلك الحين في ان تتحداه في الانتخابات , فقد ارادت ان تنقل التحدي الي الشارع , وظلت شبهة الانتماء الاسلامي لبعض قادة الحزب الحاكم احدي المطاعن التي توجه اليه في كل مناسبة , حيث جري اتهامه بالسعي للاسلمة تارة ولاستعادة الحلم العثماني تارة اخري , ولاقامة الخلافة تارة ثالثة.

_ في الآونة الاخيرة ظهرت عوامل اخري للاحتقان اشاعت درجات مختلفة من التوتر و القلق في المجتمع التركي ولدي الطبقة السياسية بوجه اخص , وكان الشان السوري احد اسباب ذلك القلق ' في تركيا الآن حوالي 300 الف لاجئ سوري ' ولمعارضة موقف اردوغان من الثورة السورية ولمناكفته فان حزب الشعب الجمهوري المعارض شكل وفدا ذهب للقاء الرئيس السوري بشار الاسد.

وعاد الوفد ليعلن انه اذا كان بشار ديكتاتورا فاردوغان ديكتاتور ايضا. كذلك فان حوار الحكومة مع الاكراد و التوصل الي اتفاق لالقاء السلاح مع قيادة حزب العمال الكردستاني اثار غضب القوميين و الكماليين و العلمانيين المتطرفين وجميعهم كانوا ولايزالون ضد التصالح معهم او الاعتراف بخصوصية هويتهم.

_ هناك مصدر آخر للقلق في اوساط الطبقة السياسية يتمثل في سعي اردوغان الي تغيير النظام البرلماني الي نظام رئاسي في الدستور الجديد , يامل ان يكون هو اول رئيس للدولة في النظام الجديد , من خلال الانتخابات التي تجري في العام القادم ' 2014 ' .

من مصادر القلق ايضا في بعض الاوساط ان هناك ضيقا بما يعتبره الناقدون ' سلطة ابوية ' يمارسها اردوغان احيانا بحق المجتمع , دفعته مثلا الي التدخل في الحياة الخاصة للمواطنين , حين حاول عبر حزبه منع الاجهاض لانه يريد ان يكون لكل اسرة ثلاثة اطفال علي الاقل لرغبته في زيادة عدد الامة التركية .

هذه الخلفيات تكمن وراء المظاهرات التي خرجت في بداية الشهر الحالي , و التي اعتبرها البعض انتفاضة شعبية ضد اردوغان و حزبه الحاكم غدا باذن الله نواصل -- ندخل الي ميدان تقسيم و نكمل الحكاية .

تسريبات تسليح الكنيسة للأقباط استعدادا ل 30 يونيو عماد الدين حسين


طوال الايام الماضية سمعت من اكثر من سياسي بارز خشيتهم من كارثة يوم ثلاثين يونيو الجاري. شاركتهم نفس المخاوف التي تنتاب كل مصري غيور علي وطنه.

سالتهم عن سر مخاوفهم فتحدثوا في امور كثيرة مفهومة , لكن اضافوا اليها ان الكنائس تجمع وتخزن اسلحة وتدعو المسيحيين للاحتجاج ضد حكم الاخوان. احد هؤلاء اردف بان بعض المساجد ربما تكون تفعل الشيء نفسه.

سالتهم عن المعلومات التي تدعم هذه المخاوف , فقالوا كلاما عاما فضفاضا.

هل الكنيسة المصرية تشتري اسلحة وتخزنها وتحشد متظاهرين استعدادا ليوم 30 يونيو الجاري , وهل المساجد تفعل نفس الامر؟!

الله وحده يعلم ذلك وكذلك الراسخون في اجهزة الامن و المعلومات.

نسمع معلومات متناثرة عن حشد هنا وآخر هناك , لكن لا احد يقدم لنا معلومات محددة , والي ان يخرج علينا احدهم بادلة دامغة , فعلينا ان نطالب كل من يردد هذه المعلومات بالتوقف عن ترديدها.

استمرار ترديد هذه المعلومات غير الموثقة او الشائعات او قنابل الدخان لا يصب الا في خانة محاولات لئيمة وشريرة لابعاد النقاش عن جوهره الي قضية هامشية , لكن قد تشعل البلد باكمله.

حتي هذه اللحظة فالمفترض ان الخلاف بين الرئيس محمد مرسي وجماعة الاخوان وكل انصارهم وحوارييهم مع المعارضة بجميع فصائلها هو خلاف سياسي , يدور حول قضايا سياسية -- الرئاسة و الاخوان و الحكومة يعتقدون انهم هدية من السماء للشعب المصري لم يعرف قيمتها بعد , و المعارضة تعتقد ان الاخوان شر مطلق يجب اجتثاثه بكل الطرق الممكنة.

الطبيعي ان صندوق الانتخابات او الاحتجاجات السلمية المعروفة هي التي تفصل في مثل هذا الجدل.

لكن ادخال الكنيسة و المسجد في هذا الخلاف السياسي لا يستفيد منه الا من يريد تحويل الخلاف السياسي البحت الي خلاف ديني. اذا نجح هذا الامر اللئيم فالطبيعي ان نتوقف عن مناقشة القضايا الرئيسية التي تهم الوطن ومستقبله , وننشغل حينها بمناقشة من لديه اسلحة اكثر -- الكاتدرائية الرئيسية في العباسية ام مسجد النور المواجه لها -- وهل صارت الكنيسة تملك دبابات , ام ان الجماعة الاسلامية حصلت علي صواريخ عابرة للمدن من سيل التهريب القادم عبر الحدود الليبية؟!!.

غالبية الذين استمعت اليهم يرددون هذه الحكايات ابرياء ومشغولون بالغد ويخشون من يوم 30 يونيو.

بعضهم قد لا يدرك انه عندما يتحدث في هذا الامر فهو يروج لمخاوف لا يستفيد منها بوضوح شديد الا من يريد استمرار الاوضاع علي ما هي عليه.

مرة اخري وحتي يكون الكلام واضحا , اذا كان اي شخص لديه اي معلومات ناقصة او كاملة عن اي جهة تخزن اسلحة بصورة غير شرعية , كنيسة كانت ام مسجدا , حزبا اسلاميا ام ليبراليا فعليه التوجه فورا الي النائب العام , واظن ان الرجل سوف يسارع الي فتح التحقيقات وكشف اولئك الذين يريدون اشعال الفتنة الطائفية المسلحة التي لايزال بعض الابرياء يصدقونها للاسف الشديد.

اما استمرار ترديد مثل هذه الاخبار ' المضروبة ' في هذا التوقيت , فلا يستفيد منه الا طرف واحد هو جماعة الاخوان.

هذه اللعبة الجهنمية ستعود بفائدة سياسية مؤقتة علي الجماعة , لكنها قد تحرق كل البلد .فاعتبروا يا اولي الالباب.

حين تشمت اسرائيل في أردوغان و تتمنى رحيله أحمد منصور


بدا من تناول وسائل الاعلام الغربية و الاسرائيلية شماتتها في رئيس الوزراء التركي رجب الطيب اردوغان وبدا واضحا ان الهدف هو اسقاط اردوغان نفسه واسقاط صورته التي رسخت لدي الاتراك بانه الرجل الذي اعاد بناء تركيا الحديثة و الذي انعش اقتصادها وجعلها في مصاف الدول الاقتصادية السبعة عشر في العالم , واستعاد قوة عملتها , وضاعف دخل الفرد التركي اربعة اضعاف عما كان عليه قبل عشر سنوات.

وهو الرجل الذي جعل المنتجات التركية تصل الي 180 دولة في العالم وجعلها المنافس الرئيسي للمنتجات الاوروبية حتي وصلت صادرات تركيا خلال العام الماضي 152 مليار دولار , وهو الرجل الذي بني 26 مطارا خلال عشر سنوات , ومد 2600 كيلو متر من الطرق السريعة في انحاء البلاد , ومد خطوطا جديدة للسكك الحديدية بمئات الكيلو مترات , وجعل 76 مليون تركي يعالجون في ظل التامين الصحي , وقضي علي الامية , وبني في كل مدينة جامعة.

وبينما كان اردوغان يهيئ نفسه بعد سبعة اشهر ليتخلي عن رئاسة الحكومة ويرشح نفسه لرئاسة الدولة , اذا بوسائل الاعلام التركية المناوئة لاردوغان و الغربية و الاسرائيلية تضخم المشهد و الاحداث وتحول اردوغان من باني تركيا الحديثة الي ديكتاتور صاحب نزعة فردية تجب اقالته , ولم تخل صحيفة غربية من اننقادات الي اردوغان التي لا تحظي سياساته باي رضا من القوي الغربية.

فقد قالت عنه صحيفة واشنطن بوست ' ان اردوغان يقدم دليلا علي ان المرء يمكن ان يكون منتخبا ومستبدا في آن واحد ' , وقالت عنه صحيفة الجارديان البريطانية ' ان المظاهرات القائمة في تركيا انذار ضد الشكوي و المظالم المتراكمة التي ارتكبتها حكومة رجب الطيب اردوغان '

وقالت صحيفة نيويورك تايمز ' ان الازمة الحالية تبرز الجانب الاستبدادي لحكم رئيس الوزراء التركي رجب الطيب اردوغان ' , اما فورين بولسي الامريكية فقالت ان ' الاتراك يقاتلون من اجل استرجاع تركيا من اردوغان ' , وذكرت مجلة ' تايم ' الامريكية ان هذه الاحتجاجات ليست سوي سبب لبيان حجم المظالم التي تشعر بها المجموعات المعارضة لحكومة اردوغان

اما وسائل الاعلام الاسرائيلية فاني احيل القاريء الي المقال الرائع الذي كتبه الاستاذ فهمي هويدي في صحيفة ' الشروق ' يوم الاثنين الماضي تحت عنوان ' اسرئيل تصلي من اجل متظاهري اسطنبول ' ليدرك حجم الفرحة التي عمت اسرئيل من وراء التظاهرات ضد اردوغان , هذه الشماتة وهذا النقد الغربي الاسرائيلي الموجه لاردوغان بشكل مباشر يعكس حجم الانزعاج الغربي من بروز قائد تركي يتعامل بندية مع الغرب و هو ما لم يحدث منذ ان اسس اتاتورك الدولة العلمانية علي انقاض الخلافة العثمانية .

كما ان استهداف شخص اردوغان واضح للغاية في كل ما يجري , فالرجل الذي اهان الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز ورفض ان تضرب العراق من الاراضي التركية في العام 2003 , واصر علي ان تعتذر اسرائيل عن حادث السفينة مرمرة , ونهض ببلاده وجعلها قوة مناوئة , اصبح هو الهدف المباشر لكل ما يجري , لكن اردوغان العنيد لازال يصر علي التحدي و المواجهة .

وائل قنديل يكتب عن الثورة الفكاهية و تحرك قليلي القيمة و الحيلة


' تشبيه الحراك التركي بالحراك و الربيع العربي يقلل من قيمة و اهمية الاعتصامات و الاضرابات التركية ' ما بين القوسين ليس كلامي , بل كلام ' جورسال تكين ' نائب الامين العام لحزب الشعب الجمهوري في تركيا , اهديه لاولئك الفكاهيين المرحين الذين يرون في انفسهم قادة ثورة عالمية كوكبية ضد مظاهر حكم الاسلام السياسي علي ظهر البسيطة , و الذين اعلنوا ان 30 يونيو القادم هو موعدهم لاسقاط انظمة الحكم في كل من مصر وتركيا وتونس.

لقد تصور ' الثوار الظرفاء ' في مصر ان العالم يضبط ساعته الثورية حسب توقيتهم , وتخيلوا انهم اذا اصيبوا بنوبة زكام ثورية عطست الجماهير في قارات الدنيا الست , وتحركت الجموع باشارة منهم.

وحين اندلعت مظاهر الاحتجاج العنيف في اسطنبول وانقرة راينا وسمعنا بعضا من المنتفخين وهما وجهلا بالقاهرة يروجون ان الشعب التركي انتفض وثار علي ايقاعات ' ثوار ما بعد الثورة ' في القاهرة , وذهب بعضهم الي ابعد من ذلك حين ادعي ان ما يدور علي الاراضي التركية هو استلهام لما يبشرون به في مصر , وان تنسيقا تم بين مثلث ' القاهرة انقرة تونس ' لقيادة الحرب ضد الاسلاميين في العواصم الثلاث.

وشاهدنا في القاهرة احتفالات طروب باتساع رقعة العنف في الشوارع التركية , علي اعتبار ان الاحداث هناك ابنة شرعية لما يدور هنا , وعلي طريقة تباهي ال ' -- -- . ' بشعر بنت اختها , غير ان كلام نائب الامين العام لحزب الشعب التركي لصحيفة ' الشرق الاوسط ' امس حمل ملمحا من الازدراء للحراك الموجود في الشارع العربي حين قال نصا وبكل عنجهية ' لا يمكن لنا ان نشبه ما يجري في ميدان تقسيم بما جري في ميدان التحرير , ولا يمكن ان نصف الوضع في تركيا كالوضع في دول الشرق الاوسط , فالحراك في تونس ومصر يختلف عن تركيا التي عاشت حقبات طويلة من اجل ارساء اسس الديمقراطية منذ عدة عقود ' .

ويضيف ' نحن لنا في الحراك الديمقراطي تجربة طويلة , تركيا لم تكن في ازمة اقتصادية كما كانت تعيش مصر وتونس. تركيا الآن تعيش مرحلة من النمو الاقتصادي واصبحت من الدول ذات الاقتصاد المرتفع ' .

وبصرف النظر عن ان هذا الكلام المتعجرف يحمل اهانة بالغة لثورتي الربيع العربي في كل من تونس ومصر ' الربيع وليس خريف الثورة العكسية ' فان ثمة ملاحظات جديرة بالتوقف عندها : منها ان التصفيق الجهول لما تشهده المدن التركية لا يزال علي اشده هنا في مصر ,

لكن الاهم في هذا الخطاب الاستعلائي ان صاحبه لم يسلك كما يسلك ' الثوار الجدد ' في مصر فيهيل التراب علي نهضة تركيا الاقتصادية , ولم يصرخ ' اخوان اردوغان جوعونا ' ولم يهرف باكاذيب فاخرة من تلك المنتشرة بكثافة في فضاءات السياسة المصرية , ولم يعلن رغبة مجنونة في استنزال كوارث علي بلاده.

ان الذين لا تشغلهم كثيرا التهديدات التي تواجه نهر النيل ويحشدون لحفل الانتحار الجماعي في 30 يونيو لا يمكن ان يتحدثوا عن استكمال ثورة.

نخبة تقود مصر بخطاب البلطجة و العنف و المكايدة عماد الدين حسين


البلطجة و الانفلات وغياب المعايير لم تعد حكرا علي اللصوص و الخارجين علي القانون في الشوارع.

للاسف هي صارت او في طريقها لتصبح منهجا للتفكير بين النخبة التي يفترض انها تقود الامة.

المعارك الصغيرة و التافهة التي تدور في غرف الدردشة او التعليق علي الاخبار و المقالات في المواقع الاخبارية بالانترنت , بين مجموعة من الهواة او المتعصبين , تتحول شيئا فشيئا الي الطريقة المثلي لادارة الخلاف بين الاحزاب و القوي السياسية , وبينها وبين مؤسسة الحكم.

منهج البلطجة و الهجامة المفروض علينا الآن يريد ان يختزل قضايا الامة المصرية في اسئلة من قبيل ' ايهما كان علي حق عبدالناصر ام الاخوان؟ ' و ' من المسئول عن كارثة سد النهضة مرسي ام مبارك؟ ' . و ' من الافضل -- الاخوان ام نظام مبارك؟ ' .

قد تصلح مثل هذه النقاشات الصبيانية بين مجموعة من العوام علي مقهي بلدي , او بين ' التراس الاحزاب السياسية ' خلال مظاهرة , لكنها اذا تم تعميمها فان هذه النخبة تقود الامة -- لكن الي حتفها!.

النخبة و المقصود بها من هم في الحكم و المعارضة معا , عليها المسارعة فورا الي الفصل بين المكايدات السياسية و القضايا المصيرية.

بدايات كارثة سد النهضة لم يتسبب فيها مرسي او الاخوان , لكن من سوء حظهما انهم مطالبون بتهيئة الظروف لتوحيد الامة كي نتمكن من ايجاد حلول لها واي تطور سلبي يتحمله مرسي لانه رئيس البلاد ودوره حل مشاكلها هو ومن يختارهم من الوزراء و الخبراء.

كارثة مياه النيل يتحملها في المقام الاول نظام حسني مبارك الاجرامي وكل الذين عملوا في هذا الملف فردا فردا , كل وزراء الري و الخارجية ورؤساء الوزارات ومسئولو الاجهزة الامنية خصوصا المخابرات وكل من له صلة بهذا الملف في عهد مبارك يتحمل قسطا من هذه المسئولية.

الشهامة او الرجولة الا يخرج اي شخص ساهم في وصولنا لهذا المازق كي يعطينا دروسا في كيفية الخروج منه.

مسئولية مرسي الآن هي البحث عن طريقة تنهي الميراث السيئ اواصلاحه , تلك هي المسئولية السياسية التي لا يستطيع التهرب منها , وذلك لن ياتي من دون بلورة اجماع وطني حول هذا الملف , ولا تسالوني كيف يحدث ذلك , فتلك مسئولية الرئيس وادارته وليست مسئولية المعارضة او الصحافة.

من العار ايضا ان يستدعي بعض الاخوان و الناصريين معارك الستينيات وكانها حدثت بالامس , ويدخلون في معارك عبثية طاحنة عن احداث 54 وهل كانت من اجل المبادئ ام من اجل السلطة؟!.

مثل هذا الامر صار في جزء كبير منه تختص به كتب التاريخ , ليس عيبا ان نناقشه مناقشة موضوعية لنستفيد به الآن , لكن ان يتحول الي صلب القضايا فتلك هي الفتنة الكبري.

المعارك التي تواجهها مصر الآن تحتاج فعلا لبرنامج واضح ورؤية جديدة ومختلفة , قائمة علي العلم و التخطيط , وقبل ذلك وبعده لحد ادني من الاجماع الوطني.

' خناقات مرسي ام مبارك ' و ' الاخوان ام الناصريين ' للاسف لن تحل شيئا في قضايا الوطن الراهنة , ناهيك عن معاركه المستقبلية.

هل هو ربيع تركي أم أنه هروب من استحقاق مواجهة أردوغان في الانتخابات ؟ أحمد منصور

 ' يدعون الآن دون خجل ان الربيع التركي قد بدا ,  ونحن نقول لهم ان الربيع التركي قد بدا يوم تسلمنا السلطة في العام 2002 وقد وصلت تركيا منذ ذلك الحين الي مواقع مميزة في العالم لا يمكن تجاهلها ,  وهم يحسدوننا علي موقعنا هذا  ' كان هذا جزءا من الخطاب الذي وجهه رئيس الوزراء التركي رجب الطيب اردوغان الي الحشد الهائل من انصاره يوم الاحد الماضي في العاصمة انقرة , منتقدا المعارضة التي حشدت في نفس اليوم عدة آلاف في ميدان تقسيم في اسطنبول بمناسبة مرور اسبوعين علي بداية التظاهرات ضد نظام اردوغان ,  هذه التظاهرات التي انتشرت في عدة مدن تركية في آن واحد وكانت الاولي بهذا الحجم منذ ما يقرب من ثلاثين عاما ,  حينما كانت التفجيرات تنسف الباصات و المصارف و الاسواق وتقض مضاجع الآمنين في انحاء متفرقة من تركيا ,  ورغم ان الاسباب المعلنة من المتظاهرين هي الوقوف ضد ازالة اثنتي عشرة شجرة من حديقة جيزي التي تقع في قلب ميدان اسطنبول ,  وعدم السماح بهدم مركز اتاتورك الثقافي لتحويله الي دار للاوبرا ,  فان الاسباب الحقيقية ابعد من ذلك ,  فقد سبق ان تم ازالة 450 شجرة من نفس الحديقة لبناء فندق فخم في عهد الحكومات السابقة ولم يعترض احد كما ان حزب العدالة و التنمية التركي قام بتشجير 900 الف هكتار خلال عشر سنوات زرع خلالها 265 مليون شجرة منها 55 مليون شجرة زيتون ,  لكن الاسباب التي دعت الاتراك للتظاهر وبعنف لاسيما من الاحزاب اليسارية و العلمانية و الشيوعيين وغيرهم كانت تتعلق بالقوانين و الاجراءات التي صدرت خلال ايام قليلة من قبل حكومة اردوغان وتتلخص في قانون منع بيع الخمور من العاشرة مساء وحتي السادسة صباحا وهو الوقت الرئيسي لشاربي الخمور في بلد شبه اوروبي وتنتشر فيه الخمور بشكل كبير وقد نجح اردوغان قبل ذلك في اصدار قوانين سابقة تحد من بيع الخمور لكن القرار الاخير كان شبه منع لها مما ادي الي غضب عارم لدي شاربي الخمور في نفس الاسبوع تقريبا كان يتم نقاش قانون يقلل فترة السماح بالاجهاض من عشرين اسبوعا بعد الحمل الي عشرة اسابيع فقط لكن اردوغان كان يريد تقليل المدة الي اربعة اسابيع , مما ادي الي ثورة عارمة لدي قطاع واسع ممن يعتبرون الاجهاض حقا مشروعا في بلد لا يمانع العلمانيون و اليسار فيه عن العلاقات خارج النطاق الشرعي للزواج ,  في نفس الوقت اعلن اردوغان عن البدء في مشروع الجسر الثالث علي مضيق البوسفور واطلق عليه جسر السلطان سليم ,  و السلطان سليم هو الذي توسعت الدولة العثمانية وهو الذي دمر الدولة الصفوية ومن ثم فان له ثارا تاريخيا مع العلويين و الشيعة الذين يشكلون ما يزيد علي عشرة ملايين تركي ,  علاوة علي ذلك فان دعاة الحفاظ علي البيئة يعتبرون مطار اسطنبول الثالث الذي اعلن اردوغان عن البدء في تنفيذه سيقضي علي اكبر رقعة خضراء في قلب اسطنبول ,  من ثم فان قطاعا كبيرا الذين يقفون وراء الربيع التركي هم الذين يطلبون اطلاق بيع الخمور و الاجهاض و العلويون الذين يكرهون السلطان سليم وغيرهم ,  لكن اردوغان قال للجميع الانتخابات بعد سبعة اشهر فلماذا لا تحسمون خياركم بالصندوق ؟

عندما يتمرد الفلولي و هو يرفع صور مبارك استعدادا ل 30 يونيو وائل قنديل


يقول الخبر ان انصار المخلوع نشطوا امس في توزيع استمارات ' تمرد ' امام مقر المحاكمة -- وتقول الانباء المنتشرة منذ اسابيع ان المكون الفلولي العميق موجود بكثافة في مطبخ التحضير و الحشد ليوم 30 يونيو الجاري , وتضيف المشاهد ان رموزا ثورية ذائعة الصيت و الانتشار تجلس كتفا بكتف مع المتحرقين شوقا لاعادة جمهورية مبارك , دون ان يستشعر الثوار حرجا او خجلا مما هم فيه.


ومرة اخري يجد اهالي شهداء الثورة انفسهم في العراء , يواجهون وحدهم تحرشات اتباع المخلوع الذين يوزعون اوراق التمرد بيد ويرفعون صور مبارك بالاخري , وحين يفرغون من مهمة ' تمرد ' تمتد اليد للاشتباك مع ذوي شهداء يناير -- بينما حضرات السادة الثوار غارقون حتي الازناد في خوض المعركة بالوكالة عن جنرال الثورة المضادة ضد الرئيس وجماعته وتياره فيما يتاهب فلول العصر البائس للحصاد دون مشقة تذكر.

لقد اعادتني مشاهد احتضان ابناء مبارك ل ' تمرد ' و العكس الي ما سجلته في هذا المكان اثناء جنون احداث الاتحادية من انه ليس اكثر قتامة وعتامة من اللحظات التي تمر بها مصر الآن سوي لحظة الجنون التي اودت بالعرب الي الجحيم واخرجتهم من التاريخ ليلة 2 اغسطس 1990 , حين انفتح الباب واسعا لكي يقتل العربي اخاه في معركة خرج الجميع منها مهزومين مقتولين.

واخشي ان تكون ثورة 25 يناير المصري تقف علي الباب ذاته الآن وتتاهب للقفز الي حريق مستعر , صنعه اعداء هذه الثورة ببراعة فائقة , وينساق اليه شركاؤها وكانهم يمارسون رقصة جنون جماعي او لعبة موت.

ويذكر التاريخ ان عاصفة صحراء ذلك الشتاء البائس قسمت الشخصية العربية نصفين واعادت الشعوب العربية الي جاهلية داحس و الغبراء وحرب البسوس , واندلعت حرائق حمل الاخوة السلاح علي بعضهم البعض وخاضوا معركة طاحنة انتصر فيها العدو دون ان يطلق رصاصة واحدة.

وفي المقابل لا يريد اعداء الثورة البيضاء تفويت فرصة عمرهم للانقضاض علي المشهد , حتي ان زعيم الفلول في لحظة وضوح واتساق مع الذات وصف ما يجري الآن بانه ' ثورة ضد الثورة ' دون ان يسكته احد , او يقول له ان يخرج من الموضوع.

واكرر ان استدعاء الميدان للفلول علي طريقة ' عدو عدوي صديقي ولو كان عدوي ' لا يصح ان يكون امرا حتميا لمواجهة الاخوان وتيار الاسلام السياسي , لان ذلك ينقل الميدان من كونه المدينة الفاضلة للثورة , الي مجرد ملعب انتخابي او ساحة سياسية تعتمد قوانين السوق ومهارات البيع و الشراء و الصفقات , فان كان ذلك كذلك ليس من حق احد هنا ان يدعي انه يتحدث باسم الثورة او ان ما يجري هو امتداد للثورة , و سنحترمه اكثر لو مارس فضيلة الوضوح و اعلن انه يلعب سياسة و مصالح , و ان ما يحركه هو قواعد السوق و ليس مبادئ و قيم الحق و الخير و الجمال .

احتمالات انتخابات الرئاسة في ايران فهمي هويدي


الانتخابات الرئاسية الايرانية التي تجري يوم الجمعة القادم هي الاكثر استعصاء وتعقيدا من كل سابقاتها , الامر الذي يجعلها مصدرا لغموض وحيرة بالغين , يتعذر في ظلهما التنبؤ بما اذا كانت حصيلتها تشكل خطوة الي الامام ام الي الوراء.


' 1 '
خلال ربع القرن الاخير , منذ تولي السيد علي خامنئي منصبه مرشدا للثورة في عام 1989 , قدر لي ان اتابع الانتخابات التي فاز فيها رؤساء الجمهوريات الثلاثة هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي واحمدي نجاد , حيث قضي كل واحد ثماني سنوات في منصبه. وخلال تلك الجولات كان بوسع المراقبين الذين كنت واحدا منهم ان يتعرفوا علي المرشح الذي ترجح كفته , علي الاقل من خلال ملاحظة نبض الشارع. كان ذلك سهلا مع رافسنجاني وخاتمي واصعب في حالة احمدي نجاد الذي لم يكن يعرفه احد , باستثناء انه كان محافظا ناجحا ورئيسا لبلدية طهران.

لكن كل تلك الخبرات تظل في كفة ومشهد الانتخابات الراهنة في كفة اخري , خصوصا انهم جميعا ليسوا من رجال الصف الاول للثورة , وانما هم من ابناء الصف الثاني او الثالث او حتي الرابع ' المرشح الدكتور سعيد جليلي كان عمره 14 عاما حين قامت الثورة ' .

ثمة سبب آخر لا يقل اهمية هو انني في المرات السابقة كنت اتجول في شوارع طهران وبعض المدن الاخري في محاولة لتحسس نبض الشارع , لكنني فوجئت هذه المرة بانه لم يكن هناك شارع في طهران علي الاقل. لان رئيس البلدية ' هو بالمناسبة احد المرشحين ' منع الدعاية في الشارع والزم المرشحين بان تكون دعاية كل واحدة منهم مقصورة علي مقره في العاصمة , وعلي استخدام لوحات متواضعة الحجم وزعت علي بعض نواصي الشوارع , وهو اجراء له مغزاه الذي ساتحدث عنه توا.

' 2 '
رغم اجواء الغموض و الحيرة المخيمة علي الافق السياسي في ايران فبوسع المرء ان يسجل خمس ملاحظات علي الاقل هي :
1 ان السلطة القائمة المرشد في الاغلب حرصت علي الا يتكرر في الانتخابات هذه المرة ما جري في عام 2009 , حين خرجت المظاهرات الاحتجاجية علي النتائج الي شوارع طهران التي احتفت بها الدوائر الغريبة ووصفت حينذاك بانها حركة خضراء ' البعض يصفها الآن بانها فتنة ومؤامرة ' , وقد تزعم تلك الاحتجاجات اثنان من المرشحين , هما مير حسين موسوي رئيس الوزراء الاسبق ومهدي كروبي رئيس مجلس الشوري.
' هما رهن الاقامة الجبرية الآن ' . ولا استبعد ان يكون منع حملات الشوارع وثيق الصلة بالاحتياطات التي اتخذت لعدم تكرار ما جري حينذاك , كما ان هناك احتياطات اخري اتخذت لمراقبة الاتصالات الهاتفية وحجب المواقع الالكترونية لقطع الطريق علي اي محاولة لاثارة الاضطرابات بمناسبة الانتخابات.

2 الي ما قبل من موعد التصويت من الواضح ان كفة المحافظين مرجحة علي الاصلاحيين. الا ان باب المفاجآت يظل مفتوحا علي نحو قد يقلب الصورة لصالح الاخيرين. و المفاجاة المرتقبة في هذا السياق ان يعلن الرئيسان السابقان هاشمي رفسنجاني و السيد خاتمي تاييدهما للمرشح الاصلاحي الدكتور حسن روحاني , واذا ما حدث ذلك فان احتمالات فوزه باغلبية الاصوات ستصبح كبيرة.

3 رغم ان المرشحين الذين اقرهم مجلس صيانة الدستور ثمانية , فان السباق الحقيقي بين اربعة هم : محمد باقر قاليباف رئيس بلدية طهران الدكتور علي ولايتي مستشار المرشد ووزير الخارجية طوال 16 سنة الدكتور حسن روحاني ' رجل الدين الوحيد بين المرشحين ' مسئول مجلس الامن القومي السابق وعضو مجلس خبراء القيادة وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام الدكتور سعيد جليلي مسئول الملف النووي في مجلس الامن القومي.

4 ثمة اتفاق بين مراكز استطلاع الراي المحللين علي انه لا مفر من الاعادة بين اثنين من المرشحين , لانه لا توجد بين الثمانية الشخصية القوية التي تستطيع ان تحسم السباق من الجولة الاولي.

5 ايا كانت النتائج سيظل الفائز الحقيقي في الانتخابات هو المرشد السيد علي خامنئي ' 74 سنة ' الذي اذا مد الله في عمره , فانه سيقضي السنوات الثماني القادمة هادئ البال وبغير اية منغصات من جانب مؤسسة الرئاسة , لان الرئيس المنتظر سيكون احد رجاله المخلصين , ذلك ان قاليباف يعتبر نفسه من جنوده , اما الدكتور ولايتي فهو مستشاره , وجليلي وروحاني يمثلانه في مجلس الامن القومي , رغم ان الاول يعد محافظا و الثاني اصلاحي.

' 3 '
ما سبق يعد استباقا قد يصيب وقد يخيب. وهو رصد للمشهد في الاسبوع الاخير من الرحلة , في حين ان ثمة مشاهد اخري سابقة لا تكتمل الصورة بغير الاحاطة بها. فالمرشحون الثمانية الذين يتنافسون الآن هم من تمت اجازتهم من قبل مجلس صياغة الدستور , يعد فرز اوراق اكثر من 600 مرشح قدموا اوراقهم لكي يدخلوا السباق. ولئن بدا ان الذين تمت اجازتهم قد اصبحوا في صدارة المشهد , الا ان خبرهم لم يكن مثيرا للدهشة او اللغط , لان كليهما كانا من نصيب المستبعدين.

اعني بذلك تحديدا السيد هاشمي رفسنجاني احد رفاق الامام الخميني الذي راس مجلس الشوري ورئاسة الجمهورية , وهو الآن رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام , وكان له دوره البارز في تولي السيد خامنئي منصب المرشد بعد وفاة الامام. كما اعني السيد اسفنديار رحيم شائي رئيس الاركان السابق الذي رفض المرشد تعيينه نائبا لاحمدي نجاد رئيس الجمهورية , فاختاره الرجل مستشارا اول له. ورفسنجاني له ثقله التاريخي وشخصيته القوية و العريضة , فضلا علي انه صنف ضمن قادة الاصلاحيين الي جانب السيد خاتمي. اما مشائي فان المحافظين يعتبرونه منحرفا , اضافة الي انه شعبوي له مؤيدون كثيرون في اوساط العامة , في حين ان النخب لا ترحب به كثيرا.

في الظروف العادية فان حملة الانتخابات الرئاسة تبدا قبل موعد التصويت بحوالي سبعة الي ثمانية اشهر , الا انها تاخرت كثيرا هذه المرة , لان الجميع وفي مقدمتهم المرشحون كانوا في انتظار التعرف علي موقف كل من رفسنجاني ومشائي , وظل السؤال المتداول هو ماذا سيكون مصير التحالفات اذا ما ترشح الرجلان.

وعلي سبيل المثال فان المرشحين الثلاثة الدكاترة علي ولايتي وحداد عادل وسعيد جليلي اتفقوا فيما بينهم علي التنازل لواحد منهم اذا ما رشح رفسنجاني نفسه , وكان مفهوما ان الاصلاحيين حسن روحاني ومحمد رضا عارف الذي كان نائبا للسيد خاتمي اثناء رئاسته للجمهورية سوف ينسحبان من السياق اذا دخل رفسنجاني الي الحلبة. وحين استبعد الشيخ المخضرم فان الثلاثة لم يتنازل منهم احد , كما ان روحاني وعارف واصلا المشوار. وكما ذكرت قبلا فان الجميع لا يزالون يتساءلون عما اذا كان الشيخان رفسنجاني وخاتمي سيلتزمان الصمت حتي اللحظة الاخيرة , ام انهما سيؤيدان الدكتور حسن روحاني بما قد يقلب الطاولة في اللحظة الاخيرة.

اللافت للنظر ان الشيخ رفسنجاني الذي اعرض الناخبون عنه في انتخابات عام 2009 حتي خسر السباق امام الرئيس الحالي احمدي نجاد اصبح يتمتع بشعبية كبيرة بعد ذلك , حتي اتفقت الآراء واستطلاعات الراي علي انه سوف يفوز في الجولة الاولي اذا ما سمح له بالترشح هذه المرة. لهذا فان مفاجاة استبعاده كانت اكثر ما اثار اللغط و الدهشة في المعركة الانتخابية , بل كان الخبر الرئيسي في كل نشرات اخبار المعركة.

السؤال الذي اثار اللغط هو كيف يمكن ان يستعبد من الترشح الرجل الثاني في الدولة الايرانية الآن , رغم انه تولي الرئاسة من قبل واثبت كفاءة ونجاحا , فضلا علي انه من مؤسسي الثورة واعمدتها الرئيسية؟ لم يكن مقنعا ما قيل من ان الرجل تقدم في العمر ' 79 سنة ' ولم يعد قادرا علي تحمل مسئولية المنصب. لان الامام الخميني قاد الثورة وهو في الثمانين , فضلا علي ان الحجة ذاتها يمكن ان تستخدم ضد السيد خامنئي حين يبلغ تلك السن بعد خمس سنوات , ليطالب بسببها بالتنحي عن منصبه.

الراي الذي سمعته من اغلب الذين تحدثت اليهم ان استبعاد رفسنجاني كان في حده الادني لارضاء السيد خامنئي ان لم يكن برغبة منه. لان الرجل يعتبر نفسه شريكا وليس مقلدا للمرشد.

والشريك يمكن ان يكون منافسا او مناوئا , وهذا ما لا يرحب به القائد. وهناك تفاصيل كثيرة تتردد عن محاولة الشيخ مقابلة المرشد و التفاهم معه قبل تقديم اوراق ترشحه , لكن ذلك اللقاء لم يتم , ولذلك فان رفسنجاني اتخذ قراره في نصف الساعة الاخير قبل انتهاء الموعد.

ويحسب له انه التزم الصمت حين رفضت اجازته , وباستثناء اشارات ضيق واستياء مقتضبة , فانه هو ومشائي لم يحولا الرفض الي ازمة او معركة مع المرشد. وآثرا تمرير الموقف في هدوء حفاظا علي استقرار الموقف الداخلي.

' 4 '
حين زرت طهران في آخر مرة قبل سنتين كانت لا تزال كما عرفتها مدينة الشهداء التي تغطي جدرانها صور وجوه الايرانيين الذين سقطوا في حرب السنوات التسع مع العراق. لكن مدينة الشهداء اصبحت الآن مدينة الجسور و الانفاق و الطرق الالتفافية السريعة , الي غير ذلك من مظاهر الانقلاب العمراني الذي عرفته العاصمة منذ انتخب قاليباف رئيسا للبلدية فيها.

لاحظت ايضا ان ارتفاع البنايات و الابراج السكنية توازي مع ارتفاع مماثل في اسعار السلع الغذائية , التي تضاعفت اسعار بعضها ثماني مرات في المتوسط , وفي حين ارتفعت البنايات و الاسعار فان صوت النخبة الذي اعرفه صاخبا ولاذعا انخفض كثيرا , حتي اصبح الحوار من خلال الهواتف المحمولة و الانترنت متقدما كثيرا علي الحوار الذي تشهده المنابر العامة الملتزمة بسياسة الدولة وتوجيهات المرشد.

وحين قلت ان المرشد في خطبته بمرقد الامام الخميني في ذكري وفاته حث الناس علي التصويت في الانتخابات الرئاسية وتحويل المناسبة الي ' ملحمة ' , قال لي احد الخبراء ان الولي الفقيه يتاهب للدخول في طور جديد يمارس فيه ولايته المطلقة. وهذه الانتخابات تهمه شخصيا باكثر مما تهم المجتمع الايراني.

لذلك لن استغرب اذا قل اقبال الناس عليها , بعدما ادرك كثيرون انهم ليسوا طرفا اصيلا فيها , وهو ملاحظة استوقفتني حتي صرت اسال : في هذه الحالة هل تكون الانتخابات قرينة علي التقدم الي الامام ام النكوص و التراجع الي الوراء , وهو سؤال لا اطرحه من فراغ , لان الحوارات غير المسموعة في وسائل الاعلام باتت تدعو الي اعادة النظر في صلاحيات المرشد ووضع المرجعية والي التفكير من جديد في مسالة ولاية الفقيه , خصوصا ان المرشد السيد خامنئي في العام القادم سيكون قد قضي ربع قرن في منصبه.

دق طبول الحرب القادمة في 30 يونيو فراج اسماعيل


مجدي خليل متطرف من اقباط المهجر يعيش في الولايات المتحدة كتب علي صفحته بالفيسبوك ارشادات للمتظاهرين يوم 30 يونيه لربح الحرب ضد الطرف الآخر المؤيد لشرعية رئيس الجمهورية. المضمون يعتبر الطرف الآخر غير مصري -- احتلال حان تحرير الوطن منه في ذلك اليوم. لكن الخطير انه يقدم نفسه بصفته ناشطا في مجال حقوق الانسان ورئيس منتدي للحريات , ومع ذلك فارشاداته تحرض علي الحرق و القتل و الاعدامات العلنية بتعليق الارجل في ميدان التحرير. كتب خليل ما يلي ' لن تنجح مظاهرات 30 يونيه الا بتحييد الشرطة , ولن يتم ذلك الا بمحاصرة كل اقسام الشرطة في مصر في الساعات الاولي واغلاقها تماما وحرق معظمها وحرق وزارة الداخلية ومقرات الاخوان ومقر المقطم. الشرطة المتحالفة مع الاخوان لابد من تحييدها في الصباح الباكر يوم 30 يونيه , اما اذا خرج الشعب سلميا بدون ذلك ستتحالف ميليشيات الاخوان مع الشرطة مع الحرس الجمهوري ويقتلون معظم النشطاء ' . بعد الحديث عن ان 30 يونيه فرصة لن تتكرر يواصل بقوله ' تحركوا علي بركة الله وامحوا كل اثر للاخوان من مصر , لابد من تعليق محمد مرسي وخيرت الشاطر وعصام العريان ومحمد البلتاجي وحازم ابو اسماعيل وعصام سلطان وجميع اعضاء مكتب الارشاد وكل ابواق الاخوان من ارجلهم في ميدان التحرير ودعوا الآلاف يتبولون عليهم حتي يموتوا غرقا بالبول , ولابد من تحذير الجيش من التدخل , عليه فقط غلق حدود غزة حتي لا يدخل مجرمو حماس ' . هذه لغة ناشط حقوقي يعيش في المهجر , اشتهر بتحريضه المستمر علي الفتنة الطائفية في العقد الاخير من حكم مبارك , وكان كثيرا ما يبث روايات كاذبة عن الاضطهاد الذي يتعرض له الاقباط مستغلا علاقاته ببعض وسائل الاعلام الامريكية. ها هو يتخلي عن ابسط القواعد الحقوقية فيدعو للتبول علي شخصيات مسلمة مبديا اقصي درجات الانحدار الاخلاقي و الانساني. فحتي لو افترضنا ان هؤلاء سيقعون اسري حرب بيد الطرف الذي يستقبل هذا التحريض , فان قواعد الحروب لا تجيز ذلك اطلاقا. انها اقصي درجات الغل و الكراهية للآخر التي نحذر من تداعياتها الخطيرة و المدمرة لان الآخر يمتلك ايضا ما يفعله وما يدافع به عن نفسه. دق طبول الحرب من مجدي خليل و الواقفين في محيطه ولغتهم المستهجنة مستفز للغاية وربما يؤدي في النهاية الي النظر لما سيحدث يوم 30 يونيه علي انه ميدان احتراب بين فسطاطين علي اسس عقائدية وهذه ستقود الي كارثة مروعة. لم ينفرد خليل بذلك بل قدم عادل حمودة خبيرا استراتيجيا يدعي اللواء عبد الرافع درويش الذي زعم عبر قناة ' النهار ' ان القاهرة ستتعرض في السادسة صباح 30 يونيه * وقت تبديل الخدمات في الجيش_ لهجوم من جنوب وشمال سيناء مع عمليات ارهابية متزامنة تاتي من الغرب مع الحدود علي ليبيا. اتفق الرجلان علي التوقيت المبكر , الا ان الخبير الاستراتيجي يتحدث عن زحف 20 الف جهادي من جنوب سيناء و50 الف فلسطيني يحملون الجنسية المصرية من شمال سيناء مرتدين لباس الجيش المصري لمهاجمة المتظاهرين في القاهرة. يؤكد انه ابلغ قيادة القوات المسلحة بتلك المعلومات فوجد ان لديها علما بجزء منها. الغريب هنا ان كلامه لو كان حقيقيا لتكفلت القيادة العامة للجيش باعلانه واتخاذ كل الاجراءات الاحترازية , لان هذا الخبير المجهول ليس متحدثا باسم الجيش باي حال , كما ان برنامج عادل حمودة ليس مقرا لجهاز الامن القومي او المخابرات الحربية. الرجل كان يتكلم ويروي تفاصيل كانه علي علم بكل ما يدور في الغرف المغلقة و المفتوحة , بل وما يدور في عقل الدكتور مرسي. تحدث عن اجتماعات سرية في مقر المقطم وعن قرب دعوة رئيس الجمهورية لاجراء استفتاء حول استمراره في منصبه. ما يقوله جزء من اسهال الفوضي الذي نعيشه حاليا و الذي تسببت فيه الجرعات غير المحدودة او المنضبطة لقنوات الليل التي لا تتوقف عن الرقص علي طبول حرب 30 يونيه. اما ما يفرضه الامن القومي علي المسئولين عن البلد لوقف ذلك العبث فهو مغيب الي اشعار آخر , اتمني الا يمتد الي ما بعد خراب مالطا .