‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات صحفية مختارة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات صحفية مختارة. إظهار كافة الرسائل

التفكير الطفولي من مراهقي السياسي في لقاء موسى و الشاطر عماد الدين حسين


سناخذ وقتا طويلا حتي يتعود الناس وبعض مراهقي السياسة علي ان لقاءات المتخاصمين السياسيين شيء طبيعي , بل وطبيعي جدا.

من غرائب تفكيرنا المختل ان نتقبل ان بعض المسئولين في ادارة الرئيس محمد مرسي سواء في وزارة الخارجية او الاجهزة الامنية يجلسون مع مسئولين صهاينة , لكننا نندهش اذا جلس عمرو موسي مع خيرت الشاطر.

اللقاءات السرية جزء اصيل من لعبة السياسة , ونحن هنا لا نناقش هل هي صحيحة ام خاطئة , مبدئية , ام انتهازية , نحن نتحدث عن توصيفها بانها طبيعية.

قبل ذهاب انور السادات الي القدس في 17 نوفمبر 1977 التقي مسئولون مصريون كبار منهم كمال حسن علي الذي كان رئيسا للمخابرات ومعه حسن التهامي بمسئولين اسرائيليين في المغرب , ثم التقوا مرات في بوخارست عاصمة رومانيا عندما كان يحكمها نيكولاي تشاوسيسكو.

قبل الاعلان عن اتفاق اوسلو رسميا بين اسرائيل و الفلسطينيين عام 1993 التقي مسئولو الجانبين في العاصمة النرويجية لشهور. وقتها كانت اسرائيل تصنف منظمة التحرير باعتبارها ارهابية , و الاخيرة لا تعترف بها , اللقاءات تمت من وراء ظهر الجميع بما فيهم امريكا ومصر.

اذن الطبيعي ان السياسيين يجلسون معا خلف الابواب وبعيدا عن العيون الفضولية لاجهزة الاعلام بحثا عن حلحلة وطرق للخروج من الازمات.

ومن عبث التفكير المهيمن علي ساحتنا الآن ان كثيرا من المعارضين يقولون ان الاخوان هم الذين يحكمون , لكن عندما يجلس الشاطر او اي قيادي اخواني مع احد المعارضين يسارع البعض بالتساؤل الاستنكاري -- باي صفة يجلس الاخوان مع السياسيين؟!. واقع الحال الذي نعيشه ان الاخوان يحكمون مصر , نعم الاخوان اي الجماعة , التي تدير بدورها حزب الحرية و العدالة , وهي التي تؤثر بصورة او باخري علي القرارات المصيرية لرئاسة الجمهورية واي انكار لهذا الامر مضيعة للوقت.

غالبية المراقبين و المطلعين علي بواطن الامور يعرفون ان الجماعة وعلي راسها المهندس خيرت الشاطر لهم كلمة مهمة ومسموعة في تقرير الامور داخل البلاد وفي المنطقة الآن.

اذا سلمنا بهذا الامر فعلينا ان نفكر بالمنطق , وعلي جبهة الانقاذ وبقية المعارضة ان تجلس مع قادة الجماعة لتبحث معهم القضايا المصيرية للبلاد.

عمرو موسي لم يرتكب جريمة بجلوسه مع الشاطر , ربما كان مهما ان يتم الامر بالتنسيق مع قادة المعارضة , وتكون الجلسة لها جدول اعمال حتي لا تكون نتيجة اللقاء هي شق صف المعارضة , وهنا يمكن الاختلاف مع موسي في الطريقة وليس في المبدا نفسه.

جماعة الاخوان من جهتها بدات تلمح وتسرب بانها جلست مع قادة كثيرين في الانقاذ , بل وانها تلقت طلبات محددة بان تجلس معهم علي مستوي الخبراء في داخل مصر وخارجها.

مرة اخري وبغض النظر هل تم ذلك او لم يتم , فليس عيبا او جريمة.

الجريمة الحقيقية ان ننعزل ونتقوقع ونركز في الشكليات فقط , بدلا من مناقشة جوهر القضايا.

يا من تهاجمون عمرو موسي او الشاطر الآن , سوف يجلس الطرفان ان آجلا او عاجلا معا علي طاولة واحدة , قد تكون سرية ثم يكشفها الاعلام , وقد تستمر سرية ولا نعرف بها الا من كتب التاريخ بعد عشرات السنين.

الاعداء يتقاتلون ثم يجلسون علي طاولة مفاوضات واحدة , فما بالكم بابناء الوطن الواحد؟!

وائل قنديل يكتب عن أسبقية الحجز و الحشد للانتحار يوم 30 يونيو


اذن فقد اختاروا الذهاب الي الجحيم فوق جسور الحشد و الكراهية , كل قرر احراق مراكبه بعد الوصول الي نقطة الصدام ناسفا اي فرصة للعودة , فتخير ما شئت من الهلاك : ان تفعلها علي الطريقة اللبنانية فتحرق وتحترق وتقتل وتنتحر وتقضي علي ما تبقي من ملامح للحياة -- او تذهب الي السيناريو الجزائري فتفتتح حصاد الارواح بدون حد اقصي.

انهم يتانقون في ثياب من اللغو المهترئ استعدادا للذهاب الي عرس الدم , يطلقون الرصاص علي كل دعوة لحوار انساني متحضر , يعفي المواطن البسيط من ان يلقي مصير الارانب التي تموت فوق العشب تحت اقدام افيال متصارعة , لا يشغلها البشر ولا العشب الاخضر , فكل ما يهمها ان تقتل خصمها وتلقي بجثته في النهر -- النهر الذي بات مهددا هو الآخر ويواجه مصيرا اكثر بؤسا.

لقد عاشت الجزائر عقدا كاملا من القتل و العنف حصد اكثر من 200 الف قتيل لاسباب لا تبتعد كثيرا عما يتجمع في الافق السياسي المصري الآن , حين تم الانقلاب علي حصيلة انتخابات 1991 التي فازت بها جبهة الانقاذ الاسلامية , فتدخل الجيش لالغاء نتائجها , وبعدها اطلت علي المشهد الجماعات الاسلامية الاكثر تشددا ودخلت البلاد اتون صراع مسلح , لم يتوقف عند ضرب الاهداف الحكومية و المدنية فقط بل امتد فيما بعد لاستهداف جبهة الانقاذ الاسلامية الاكثر اعتدالا ايضا.

ان الفارق بين الجزائر ومصر ان الجيش المصري اعلن احترامه لشرعية الانتخابات ولفظ كل الدعوات الهستيرية للانقلاب , غير ان آلة الشر لم تتوقف عن محاولات جره الي المستنقع , وحسب مثقف جزائري كبير دارت بيني وبينه دردشة سريعة فانه يري ان ' الطموح عند الطرفين هنا وهناك مختلف في تصوري , ولا ارجو تشابها عندكم , و المؤسف ان المعارضة تتصرف بحماقة لا حدود لها وتواجه اخطاء السلطة بالخطايا , وربنا معكم ' .

قلت له ان الجزائر انزلقت الي العنف حين جري الانقلاب علي نتائج الانتخابات , فقال ' لم تكن القضية رفضا لاقرار شرعية الانتخاب ولكنها كانت حماقة القيادات الاسلامية التي اعطت الفرصة لمن يريد نسف التجربة الاسلامية.

وعندما رفع التيار الاسلامي شعار ' لا ميثاق ولا دستور ' , ' قال الله وقال الرسول ' وراحوا يعلنون توجههم للقضاء علي معالم الدولة ومؤسساتها بغباء منقطع النظير انقض اللائكيون ' اصحاب نظرية ان الدين مسالة شخصية ولا دين للدولة ' علي الفرصة التي اعتبروها انقلابا علي الدستور , وهكذا تم تحرك مضاد يصر اصحابه علي انه كان لاجهاض الانقلاب المرتقب , ولا اعتقد ان الجيش المصري سيقع في هذا الفخ ' .

وفي ظل هذه الرغبة الجامحة في السباحة بمستنقعات العنف يبرز شبح المصير اللبناني البائس , خصوصا مع التصعيد الملحوظ في نبرة من كنا نفترض انهم عقلاء , برفع السقف الي اسقاط الرئيس المنتخب ونظامه , الامر الذي يوفر غطاء منطقيا وسياسيا لاصحاب الحشد المضاد --

وليس مقبولا عقلا او منطقا هنا ان تدعو لاسقاط الرئيس بكل الوسائل ثم تطالب من يختلف مع توجهك بان يلزم بيته ولا يتدخل بحجة الاسبقية في الدعوة للخروج الي الشارع حتي الاطاحة برئيس ونظام لهما مؤيدون كثر.

فهمي هويدي يكتب عن اسرائيل التي تصلي من أجل متظاهري ميدان تقسيم


لي عدة ملاحظات علي الاحداث الجارية في تركيا , بعضها يتعلق بالشكل و البعض الآخر يتعلق بالموضوع. فيما خص الشكل استوقفني ما يلي :

_ بثت الاذاعة العبرية في 5/6 تصريحا لموشيه فايغلين رئيس الكنيسيت , قال فيه : اننا نصلي من اجل ان تتواصل المظاهرات في تركيا حتي يسقط اردوغان. فهو معاد للسامية وسيئ لاسرائيل , كما انه يتبني مواقف معادية لنا , رغم الشوط الذي قطعناه في التصالح معه و الذي انتهي بتقديم اعتذار رسمي.

_ رئيس لجنة الخارجية و الامن في الكنيسيت افيغدور ليبرمان صرح للتليفزيون الاسرائيلي مساء 7/6 , قائلا اننا لسنا معنيين بالتدخل في الشان التركي الا انني لا استطيع ان اخفي سعادتي بما يحدث هناك.

_ في تصريح لاذاعة الجيش الاسرائيلي مساء اليوم ذاته , قال وزير البني التحتية سيلفان شالوم : ان اسرائيل يمهمها تحسين العلاقات مع تركيا , لكننا في الوقت ذاته نرحب باي تطور يخلصها من حكم العثمانيين الجدد.

في زاويته اليومية بصحيفة الحياة اللندنية رصد الاستاذ جهاد الخازن يوم 8/6 بعض التعليقات التي نشرتها الصحف الغربية عن احداث تركيا , كان منها ما ذكرته مجلة كومنتري الليكودية التي اكدت ان السلام بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني سيفشل لانها ' المجلة ' وليكود اسرائيل يتمنيان ذلك.

وقد اشارت المجلة الي ان من الاسباب التي اثارت التظاهرات في استنبول وبعض المدن ان حكومة حزب العدالة قررت بناء مسجد في ميدان تقسيم ' وهذا خطا لانها بصدد بناء دار للاوربرا ' ثم انها اصدرت قانونا يبعد بيع الخمور عن المساجد بمساحة مائة متر , ولم تذكر ان القانون يقضي بذلك ايضا بالنسبة للمدارس ثم ان ذلك امر معمول به في العديد من الدول الاوروبية.

تحدثت المجلة ايضا بتعاطف عن مقارنة استقرار حسني مبارك في مصر بالتظاهرات التي خرجت ضد اردوغان في تركيا , وعلق الكاتب علي ذلك بقوله ان مبارك تجاوز الثمانين وكان مريضا يعمل نصف ساعة فقط في اليوم. اما تركيا تحت قيادة اردوغان فان اقتصادها زاد بنسبة 100 في المائة خلال عشر سنوات , ثم ان دخل الفرد ارتفع من ثلاثة آلاف دولار في السنة الي 11 الفا.

اضاف الاستاذ الخازن ان احد رموز ليكود امريكا دانيال بايبس كتب مقالا حقيرا الوصف له هلل فيه لما حدث في استنبول ونشره تحت عنوان ' اخبار طيبة من تركيا ' . اشار ايضا الي موقع الكتروني ليكودي تحدث عن صيف تركي ساخن واتهم اردوغان باسلمة تركيا , الامر الذي جعله يواجه انفجار بركان غضب الشعب ضده , كما تحدث عن عنوان في جريدة الديلي تلجراف البريطانية , كان كالتالي : تركيا تتهم بفاشية اسلامية في التعامل مع بيع الخمور , وحين قرا الكاتب الخبر وجده منسوبا الي مالك متجر لبيع الخمور. وعلق علي ذلك بقوله ان صاحب خمارة اصبح مرجعا في الفاشستية الاسلامية المزعومة.

رغم انتقاده للتعليقات السلبية التي صدرت عن الاطراف الصهيونية ورحبت بما اعتبرته اضطرابات تهدد النظام التركي , فان الكاتب الذي امتدح دور اردوغان انتقد فيه فرديته وعدم ترحيبه بالنقد من جانب الاصوات المعارضة , وتمني ان ترده التظاهرات الي ارض الواقع , لكي يري منه شيئا من التواضع في المستقبل.

في عدد جريدة الحياة الذي صدر امس ' الاحد 9/6 ' وصف مراسلها في استنبول الزميل يوسف الشريف المشهد في ميدان تقسيم بقوله ان ساحة الميدان ازدحمت بالخيام التي نصبها المحتجون من مختلف الاتجاهات , ' فخيمة العلويين تجاورها خيمة الاكراد من انصار حزب العمال الكردستاني وقربهم الشيوعيون يتبعهم اليساريون.

وفي مقابلهم خيمة القوميين وآخرون , كما يزور الميدان ناشطون من جماعة الاسلاميين الثوريين الذين يعادون الامبريالية الامريكية و الراسمالية . في الوقت ذاته ملات الافق صور مصطفي كمال اتاتورك و ناظم حكمت ودنيز غيزميش و تشي جيفارا , كما غطت الصور مركز اتاتورك الثقافي الذي يمتد علي احد اضلاع الميدان و الذي اعلن رجب طيب اردوغان نيته هدمه لتشييد مبني للاوبرا ' .

تابعت الاعلام السوري الشامت و دفاعه الحماسي عن الحرية و الديمقراطية في تركيا. وشاهدت قناة العالم الايراني و هي تواصل الشماتة و تصفية حسابات طهران مع انقرة جراء مساندتها للجيش السوري الحر , و علمت انها ضغطت علي مراسلها في انقرة لكي يتحدث عن ثورة الاتراك و هبوب رياح الربيع علي ضفاف البوسفور , الامر الذي رفضه و اضطره للاستقالة من عمله .

و حدثني اصدقاء عن رفض احدي القنوات الفرنسية نقل الصورة المحايدة للحاصل في ميدان تقسيم و ترحيبها باستضافة خصوم اردوغان دون غيرهم . و حين وجدت بعض منابر و قنوات الاعلام المصري تحاول تصفية حساباتها مع الاخوان من خلال الانضمام الي مواكب الشامتين و المهللين حتي اذا كانوا اسرائيليين , ادركت ان اللدد في الخصومة لا حدود له , لا اخلاقية و لا وطنية .

أحمد منصور يكشف أسرار لقاء مطالبة عمرو موسى و حمدين صباحي بلقاء خيرت الشاطر


عمرو موسي وزير الخارجية المصري الاسبق و الامين العام السابق للجامعة العربية واحد رموز التنظيم السري الطليعي الذي حكم مصر خلال الاربعين عاما الماضية , واحد رموز نظام المخلوع حسني مبارك , يصر علي عدم الانسحاب بهدوء من الحياة السياسية كما انسحب غيره.

قبل عدة اشهر علمت ان السيد عمرو موسي يلح هو و السيد حمدين صباحي , كل علي حدة , في لقاء المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام للاخوان المسلمين , وابلغني الوسيط الذي كان يسعي في ترتيب لقاء السيد حمدين ان احد قيادات حزب الله اللبناني هو الذي طلب منه السعي في ترتيب الامر حيث لم يعد خافيا علاقة السيد حمدين بالسادة.

اما السيد عمرو موسي فان الحاحه زاد في الوقت الذي كان الرئيس مرسي يجري خلاله تعديلات علي الحكومة المصرية آملا ان يعود للاضواء مرة اخري , لكن الاخوان رفضوا متعللين بان جبهة الانقاذ وقادتها متورطون في الاضطرابات التي كانت تجري في مصر آنذاك.

ورغم ان احد المحنكين السياسيين الذين كانوا طرفا في الوساطة ابلغ الاخوان ان هذه فرصة لتفتيت جبهة الانقاذ وتشتيت شملها الا انهم لم يستوعبوا الامر سياسيا في حينها , لكن يبدو ان الظروف قد تغيرت ولجا عمرو موسي الي ايمن نور الذي نجح في ترتيب المقابلة مع خيرت الشاطر يوم الاربعاء الماضي.

وكان من المقرر ان تضم المقابلة من طرف الاخوان المهندس خيرت الشاطر و الدكتور سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية و العدالة , علي اعتبار قرار الاخوان ان كل ما يتعلق بالعلاقات السياسية يكون من اختصاصات الحزب وكل ما يتعلق بالدولة من اختصاصات الرئيس مرسي , تخلف الدكتور الكتاتني وبدا عمرو موسي يقدم نفسه للشاطر من اجل ان يشغل منصبا يختتم به حياته السياسية , ولو مستشارا للرئيس للشئون السياسية منتقدا اداء الدكتور عصام الحداد ومقللا من شانه وتاريخه السياسي و المهني , ومعتقدا كما يصور الاعلام ان خيرت الشاطر يدير الدولة بالتليفون وسوف يتصل علي الرئيس مرسي ويقول له عين عمرو موسي مستشارا فيعينه مرسي فورا.

كما اكد عمرو موسي خلال اللقاء انه لم يقرا كتابا واحدا عن جماعة الاخوان المسلمين ولا يعلم شيئا عن تاريخها الا مما ينشر في الصحف وما تتداوله جبهة الانقاذ.

كما انه يعتقد ان مفهوم اهل السنة و الجماعة هو ان اهل السنة هم السلفيين و الجماعة هم الاخوان المسلمين , كما طلب من المهندس خيرت الشاطر ان يشرح له مفهوم الخلافة , وخلال الحديث دخلت سكرتيرة عمرو موسي وابلغته بان خبر الاجتماع سرب للصحافة ونشر , فقد عمرو موسي توازنه تماما , واسقط في يده , وادرك ان الجهات الخارجية التي تدعمه سوف تسقطه من حساباتها وجبهة الانقاذ التي يتعلق بها سوف تثور عليه.

وسوف يخسر كل شيء المنصب الاخواني الذي يصبو اليه و الدعم الخارجي وجبهة الانقاذ في الداخل , لذا خرج علي الاعلام وقدم نفسه علي انه البطل المغوار الذي نازل خيرت الشاطر في موقعة منزل ايمن نور وانه قدم مطالب جبهة الانقاذ واضحة واذا لم يلبها الاخوان فان معركة 30 يونيو ستكون هي الفاصلة -- . هذه هي القصة.

معتز بالله عبد الفتاح : عيب النخبة المصرية مصنع و لا استخدام ؟


اي ماكينة مصمَّمة لغرض معين تظل صالحة لخدمة هذا الغرض طالما انها مصممة بشكل صحيح , اي لا يوجد فيها عيب مصنع.

ولكن من الوارد ان تعجز الماكينة عن العمل رغما عن سلامة تصميمها اذا حدث ان قرر القائمون عليها ان يسيئوا استخدامها , وهذا هو ما يسمي عيب استخدام.

الديمقراطية ماكينة , و الترتيبات المؤسسية المرتبطة بها تجعلها تنجح اذا التزمنا بقيمها ' principles ' واجراءاتها ' procedures ' وعملياتها ' processes ' . وهي لها كتالوج فيه تحذيرات تقول لك , لا تفعل عشر حاجات مثلا. وتجد عادة بجوارها علامة ' X ' كبيرة كي توضح لك ما الذي ينبغي تجنبه.

مثلا صديقي محمد الميكانيكي يعرف ان عليه الا يضع زيت الموتور مكان زيت الفيتيس , والا يضع سائل مبرد الموتور مكان البنزين , لان كل سائل من هذه السوائل له خصائص ولُزوجة ووظيفة معينة. ومن غير المتوقع ان تقوم كل السوائل بادوار بعضها والا لماذا التمايز؟.

طيب ماذا لو حدث من باب الغفلة او من باب الغلاسة او من باب الغشامة ' والثلاث حاجات موجودة في حياتنا السياسية و الفكرية ' ان قرر احدنا ان يضع نوعا من السوائل مكان السائل الآخر؟ قطعا ستحدث خسارة ما تتوقف علي التفاصيل.

وهذا هو حال مصر بسياسييها الحاليين , الذين يكررون التجربة الديمقراطية الفاشلة قبل ثورة 1952 , حيث كانت تحكم بنفس منطق المكابرة و المكايدة و المزايدة و المعاندة.

هل تتذكرون فيلم اسماعيل ياسين لما الشاويش عطية ساله هل له اخ يشبهه , فنفي اسماعيل ياسين , وبعد بعض الكلمات و التصرفات البلهاء من اسماعيل ياسين , قال الشاويش عطية : ' هو بغباوته ووشه العكر ' .

واعتقد ان هذا هو نفس الفيلم الذي ساله فيه : ' وظيفتك ايه علي المدفع؟ ' فقال له : ' بروروم ' , يعني شغلته علي المدفع ' بروروم ' . ولهذا لم يكن مستغربا , في فيلم آخر , كان فيه اسماعيل ياسين يقود الطائرة , وكان خلفه الشاويش عطية يبتهل الي الله ويقول : ' يا رب ما تجعل نهايتي علي ايده ' .

اسماعيل ياسين يمثل في هذا المقام وفي هذا المقال النخبة السياسية العظيمة التي كانت تحكم مصر قبل ثورة 1952 و التي كانت تعيش معها مصر في حالة من الدائرة الجهنمية للفشل السياسي. اذا جرت انتخابات نزيهة كان يصل حزب الوفد الي السلطة , تم يدخل ' الوفد ' في صدام مع القصر او الانجليز , فيقيل الملك الوزارة ويكلف احزاب الاقلية بتشكيلها , فتؤجل تلك الاخيرة انعقاد البرلمان ذي الاغلبية الوفدية , فيحل الملك البرلمان وتجري انتخابات جديدة تزور نتائجها لصالح الاقلية , فيقوم ' الوفد ' بسلسلة من الاضرابات و الاعتصامات و المظاهرات , ما يدفع الملك الي اجراء انتخابات حرة يعود بعدها ' الوفد ' الي الحكم , فيصطدم ' الوفد ' مع الملك او الانجليز , فيقل الوزارة وهكذا. لدرجة انه خلال الفترة من 1923 حتي 1952 , تشكلت 38 وزارة بمتوسط عمر 9 اشهر للوزارة الواحدة , كما لم يكمل اي برلمان مدته الدستورية باستثناء برلمان عام 1945. وهناك برلمان تم حله في نفس يوم انعقاده في 23 مارس 1925 -- . يعني استمر حوالي 8 ساعات -- . لماذا كل هذا؟

لان الناس لم تلتزم بكتالوج الديمقراطية وتبنوا منطق : المكايدة , و المكابرة , و المعاندة , و المزايدة.

هؤلاء الساسة , كانت شغلتهم علي المدفع ' بروروم ' , وحساباتهم الضيقة كانت السبب في معاناة اجدادنا , و الحقيقة في معاناتنا من بعدهم. لهذا كان سهلا للغاية علي النخبة الجديدة بعد ثورة 1952 ' الضباط الاحرار ' ان تفترس النخبة السابقة وتمنعها من العمل العام , لان الناس لفظتهم وتعشمت خيرا في القادمين بعدهم.

ما يحدث في مصر الآن يقول اننا ندخل في نفس الدائرة الخبيثة من النخب الفاشلة , ومثلما اضاعت نخبة الاجداد مصر وفلسطين , تضيع نخبة الابناء و الاحفاد ما تبقي من البلد.

يا تري هل الديمقراطية لا تعمل في مصر بسبب عيب مصنع ام عيب استخدام؟

واكرر مع الشاويش عطية دعاءه : ' يا رب ما تجعل نهايتنا علي ايديهم. يا رب نجِّ مصر منا. يا رب في هذه الايام المباركة ما تجعلنا السبب في ضياع بلدنا ' آمين.

أحمد منصور يكتب الجزء الثاني عن حقيقة التظاهرات فى ميدان تقسيم التركي


' عاشت وحدة الشيوعيين -- عاشت وحدة عمال العالم -- النضال من اجل اجهاض الطبقية -- اما العدالة واما القيامة -- حان وقت الفوضي ' كانت هذه بعض العبارات التي كتبت علي لوحات كبيرة من القماش وعلقت في ميدان تقسيم علي مبني مركز اتاتورك الثقافي الذي من المقرر ان يهدم وان يتحول الي مركز ثقافي ودار للاوبرا حسب مخطط اردوغان.

اما الاحزاب التي رفعت هذه الشعارات فهي ' حزب المسحوقين الاشتراكيين ' وهو حزب علوي نصيري , و الحزب الشيوعي التركي , واحزاب شيوعية وجماعات يسارية اخري بعضها محظور , وهي في مجموعها لا تساوي شيئا في الشارع التركي وليس لها اي وجود برلماني او شعبي غير ان صوتها عال , و المنتمون اليها من الناقمين علي المجتمع و النظام و الحياة وممن يمارسون الفوضي اينما وجدوا.

وهذا يعكس اسباب وطبيعة العنف الذي استخدمته هذه التيارات حينما اندلعت التظاهرات في الاسبوع الماضي , حيث قاموا بحرق كثير من باصات النقل العام و السيارات الخاصة وسيارات البث التليفزيوني التي مازالت موجودة في الميدان كما حرقوا مراكز للشرطة و الخدمات كانت توجد في حديقة جيزي في ساحة تقسيم وهي الحديقة التي قررت حكومة اردوغان تطويرها واعادة بناء قلعة عثمانية في جزء منها كانت قد بنيت في العام 1790 وقام اتاتورك بهدمها في العام 1940 , وهذا يقتضي نقل اثنتي عشرة شجرة من مكانها الي مكان آخر حتي يتم اعادة بناء القلعة.

دخلت الي حديقة جيزي في الساعة الثالثة بعد الظهر وبقيت بها حتي الساعة السادسة من مساء الاربعاء الماضي , فوجدتها اشبه ما تكون بميدان التحرير في مصر ليس ايام الثورة و المليونيات الثورية الحقيقية ولكن في مليونيات الفوضي وفترات اغلاق الميدان من قبل منظمات الاشتركيين الثوريين ومجموعات البلطجية التي استفادت من الوضع , اغلب الموجودين في الحديقة جاءوا من اجل الفرجة.

وهناك جماعات يسارية وشيوعية وقومية علمانية لاحصر لها اقامت خياما او اشباه خيام توزع المنشورات ضد حكومة اردوغان , وتطالب بعدم المساس بالحديقة او متحف اتاتورك او اعادة بناء القلعة العثمانية او المساس بالحريات الشخصية , بينما كانت فرق تغني وجماعات ترقص او تقدم الاغاني التقليدية بالمصري.

كان الوضع عبارة عن مولد , اغلب الموجودين كانوا من الشباب و الشابات يجلسون في حلقات -- بعضهم ممددون و البعض نائمون كله علي بعضه , وعند الشجرات الاثنتي عشرة محل النزاع وجدت شخصا يضع صندوقا وينادي بالتبرع للساهرين علي حماية الشجرات من مخطط حكومة اردوغان بالمال و السجائر , وللاسف الشديد فان نسبة التدخين لدي الاتراك مرتفعة للغاية لاسيما بين الشباب نساء ورجالا.

الشجرات الاثنتا عشرة تقع في مربع صغير في نهاية الحديقة بجوار فنادق انتركونتننتال ودايفين وحياة ريجينسي , وهذه الفنادق كانت اراضيها جزءا من هذه الحديقة لكنها اقتطعت منها في عهود الاحزاب العلمانية الفاسدة التي حكمت تركيا خلال الاربعين عاما الماضية وتحولت الي فنادق دون ان يتظاهر احد.

غادرت الحديقة في السادسة مساء لكنني حينما عدت بعدما انهيت تقديم برنامجي ' بلاحدود ' قرب منتصف الليل كان الوضع في الحديقة مذريا للغاية -- . الكل يدخن ويشرب في صحة اتاتورك.

وائل قنديل يكتب عن مصابي الثورة و المزايدة بهم فى بورصة الجحيم


من كان يصدق ان ضحايا نظام مبارك من مصابي ثورة يلوحون بورقة التصالح مع المخلوع من اجل المال بعد ثلاثين شهرا من الجريمة؟

اننا امام تراجيديا مقبضة في مسيرة ثورة يناير , تكشف بوضوح ان هناك من نجح في تلويث الجوهر الاخلاقي لثورة يناير , فصار ممكنا اغراء بعض المحسوبين علي قوائم المصابين فيها بالمضاربة و السمسرة في بورصة الغضب المتصاعد.

وحسب ما تناقلته الميديا عما جري في جلسة محاكمة مبارك امس , فان محسوبين علي مصابي الثورة اصدروا بيانا عجيبا تضمن قائمة طويلة من المطالب وانتهي بعبارة يهددون فيها بانه ' اذا لم يتم تنفيذ هذه المطالب من قبل النظام الحالي سوف نتصالح مع الرئيس السابق من اجل المال ' .

اذن -- فالفيروس المبكر الذي وضع داخل ' مصابي الثورة ' تظهر آثاره الآن بوضوح , حيث جرت عمليات مدروسة مبكرا جدا لتهجين قوائم المصابين باصناف لا تمتّ لهذه الثورة بصلة منذ ايام المجلس العسكري , وقد بحّت الاصوات في ذلك الوقت تطالب بتنقية قوائم مصابي الثورة مما الحق بها من عناصر جري استخدامها في مناسبات عديدة ضد الثورة.

وفي ذلك تحمل مضابط مجلس الشعب المنعدم بقرار من المحكمة الدستورية واقعة شهيرة بين احد النواب من جهة , وبين رئيس البرلمان في ذلك الوقت سعد الكتاتني , ووكيله اشرف ثابت , حين تحدث النائب عن تزوير في قوائم المصابين بمعرفة جهات امنية تم من خلاله اضافة اسماء لمن لا علاقة لهم بموضوع الثورة من الاصل , وهو الكلام الذي رفض وكيل المجلس الاقرار بامكانية حدوثه , فما كان من النائب الا ان عاد بكارنيه يحمل اسم اشرف ثابت وكيل مجلس الشعب باعتباره من مصابي الثورة.

والخطير ان اللعب بورقة مصابي الثورة لا يزال مستمرا حتي الآن في اطار التحضير للرحلة الي الجحيم المعلنة في نهاية يونيو الجاري , الامر الذي يضعنا امام جريمة حضارية تجعل بعضهم لا يمانع في احراق الثورة ذاتها مقابل التخلص من محمد مرسي , وقد راينا نموذجا مصغرا لهذا الانحطاط في وقت مبكر عندما تولت شخصيات مشهورة محسوبة علي الثورة ' مقاولة ' هدم موقعة الجمل وصناعة روايات مكذوبة بشانها تبرئ مبارك وعصابته منها -- وفي تطور لاحق صار خصوم الثورة في كابينة قيادتها بعد تفريغها من مضمونها المحترم.

وبالطريقة ذاتها التي جرت بها عمليات انتاج عبوات ثورية مزيفة وفاسدة في فترة تولي المجلس العسكري الحكم , للتشويش علي ائتلافات الثوار الحقيقية , تمت تعبئة روابط وائتلافات وهمية للمصابين تمارس نشاطها الآن.

ويبقي ان ثائرا حقيقيا لا يمكن ان يضحي بثورته لقاء مال , او كيدا لمن كانوا معه ثم تفرقت بهم السبل , كما ان مصابا حقيقيا في احداث الثورة لا يمكن ان يتاجر باصابته ويضارب بجراحه في بورصة الغضب , آو يؤجرها لمن يدفع اكثر.

أيمن الصياد يكتب كلام قديم و جديد عن النيل و أزمة سد النهضة


رغم حماقة ' البث المباشر ' لاجتماع يناقش قضية ' امن قومي ' داخل المقر ' الرسمي ' للحكم , وفي حضرة ' رئيس الدولة ' , الامر الذي له تبعات قد يصعب تداركها في موضوع بهذه الحساسية و الخطورة , فهذه محاولة لاخراج ملف النيل من براثن استقطاب مقيت اختصر الملف علي اهميته الي محاولة طرفي الاستقطاب ' السياسي ' استغلاله لاحراز اهداف . كلٌ في مرمي الآخر. ففي الموضوع جغرافيا وتاريخ , اقدم مما جري في الاتحادية , وابعد بالتاكيد من مرمي بصر من ادمنوا النظر تحت اقدامهم --

ودليل ذلك ربما ان هذا مقال يعتمد بل ويستعيد ماكنت قد كتبته في ' وجهات نظر ' قبل سنوات , ضمن ملف مهم عن الموضوع. مما يوضح ان القضية ليست بنت اليوم. وان ما نراه اليوم ليس اكثر من حلقة في سلسلة تواصلت علي مدي عقود ثلاثة ندفع فيها ثمن تآكل لمكان ومكانة , لم نستردهما للاسف ' لاسباب مفهومة ' رغم ثورة وقف العالم في حينه مشدوها امام مشهد بات ايقونة ' لانصهار شعبها في الميدان ' , قبل ان ناخذها الي ما اخذناها اليه . استقطابا وتقسيما -- وجموحا… فجنوحا0

كان العام 1933 , عندما وقف ' الانيق ' محمد عبد الوهاب يزين جيب سترته بمنديله الابيض المميز علي شكل الاهرامات ' المصرية ' الثلاثة , ليغني من كلمات احمد شوقي ' النيل نجاشي ' .

ثم كان العام 2013 , عندما بدا مثيرا للمتابع للمشهد علي ' مسرح ' دولة المصب , ان هناك من كان قد نسي الحقيقة الجغرافية البسيطة , التي بدا بها احمد شوقي مطلع اغنيته الشهيرة ' النيل نجاشي ' و التي توارث المصريون الترنم بها منذ ان شاهدوها للمرة الاولي في فيلم ' الوردة البيضاء ' لمحمد كريم , قبل حوالي قرن كامل من الزمان.

بين التاريخين تاريخ طويل , وبقدر ما هطل علي هضبة الحبشة من امطار ' جرت في النهر مياه كثيرة ' , حسب مايقول التعبير الشائع. كان زمن عرف فيه المصريون ان التاريخ تصنعه الجغرافيا , كما تصنعه ' الارادة ' . وضع المصريون ايامها ' الدائرة الافريقية ' ضمن الدوائر الحاكمة للسياسة الخارجية ' راجع ' فلسفة الثورة ' 1953 ' .

وقتها اعتبرت كل الثورات الافريقية القاهرة عاصمة لها. جاء لومومبا , وتزوج نكروما من ' فتحية ' . وعرف بطرس بطرس غالي طريقه الي كل ركن وكل زعيم قبيلة او حركة تحرر في القارة الفتية , كما ذهب عبد الباسط عبد الصمد ليقرا القرآن هنا وهناك مازالت تسجيلاته في جوهانسبرج 1966 الاكثر انتشارا علي الانترنت -- وكان ذلك كله , وغيره كثير تجسيدا لما يعرفه اساتذة العلاقات الدولية ب ' القوة الناعمة ' . تقديرٌ ومهابة ونفوذ , لايحتاج الي سلاحٍ , او الي تهديد به.

بين التاريخين تاريخ ' ذو صلة ' طويل. بني المصريون السد العالي , بالارادة وفقط باننا ' معا نستطيع ' . لم يكتف المصريون زمنها بادراكهم ان ' النيل نجاشي ' , بل غنوا ايضا ' وقف الخلق ينظرون جميعا كيف ابني قواعد المجد… ' .

_ _ _

والحاصل ان الرصيد الذي صنعته مصر في سنوات الصعود منتصف القرن الماضي قد تلاشي في الثلاثين سنة الاخيرة. انصرفت مصر غفلة او استدراجا عن القارة ' عمقها الجنوبي ' , كما انصرفت عن غيرها , بعد ان حسبت ان امنها وامانها مرهون فقط برضا واشنطن. وكان لذلك مظاهر كثيرة . كانت مصر قد قامت باغلاق مكاتبها التجارية في افريقيا وبيع منشآتها ومبانيها في اطار ما سمِّي ب ' الخصخصة ' . ثم كان ان غابت تدريجيا عن المشاركة الفعالة التي تليق بمكانة كانت لها في مؤتمرات القمة الافريقية و المؤسسات التابعة لمنظمة الوحدة الافريقية , وجري بالتالي انحسار طبيعي للانشطة الاهلية و المدنية ابتداء من البعثات الدينية و التعليمية , وانتهاء بالازهر الشريف , بل ولحق العطب روابط كانت قوية بين الكنيسة في اثيوبيا وكنيسة الاسكندرية. ' يذكر جيلنا كيف كان الامبراطور هيلاسلاسي ينحني ليقبل يد البابا كيرلس ' ولم تحاول مصر الرسمية ' المنشغلة ' الابقاء علي شيء من هذه العلاقات , و التي كانت من اهم الروابط بين الشعبين في كل من مصر واثيوبيا.

لقد تركت مصر التي انكفات علي ذاتها لعقود , افريقيا خالية من اي دور او مكانة مصرية. وكان من الطبيعي ان تخلو الساحة للآخرين. جاء الصينيون من الشرق , و الايطاليون من الشمال -- وبالطبع كان الفرنسيون و الامريكيون , وحتي الاسرائيليون هناك.

لم تعد مصر اذن هي مصر التي عرفها الافارقة , كما لم تعد اثيوبيا التي ياتي منها 85 في المائة من مياه النيل هي الدولة الحليف. ولذلك قصة طويلة , لعبت فيها اطراف كثيرة.

في عام 1974 وصل ' منجستو هايلاميريام ' بالشيوعيين الي السلطة في اثيوبيا. فتغيرت سياسة مصر التي كانت قد اختارت بوضوح الانحياز للمعسكر الغربي تجاه اثيوبيا من النقيض الي النقيض. بدا ' السادات ' خصومة غير مباشرة مع اثيوبيا , تبدت في موقف مصر المعلن وقتها من الصراع حول اوجادين. فضلا عن تاييد باساليب مختلفة لكل من اريتريا و النميري.

ثم كان ان جاء ' النيل ' ليصل بالخلاف المكتوم , الي ذروة العلانية عندما اعلن السادات عن فكرته لتوصيل مياه النيل الي اسرائيل ' 1979 ' ليخرج منجستو مذكرا بالاتفاقات التي تمنع مصر من ان تفعل ذلك , ومهددا بان اثيوبيا ستبني سلسلة من السدود و الخزانات. وقتها هدد السادات بالحرب ' للحفاظ علي الحقوق المكتسبة و التاريخية في مياه النيل ' ورد منجستو ملوحا بانهم علي استعداد لان يكون النهر ' نهرا من الدماء ' --

ثم كان ان ذهب السادات -- ثم ذهب منجستو. وبقي النيل في مكانه . ' نجاشي ' ياتي من الحبشة ويجري الي مصر -- ويغني له عبد الوهاب.

_ _ _

هل اسرائيل هناك -- ؟

رغم انه من غير المنطقي او الواقعي الذهاب بعيدا مع الذين ينشغلون بالبحث عن الاصابع الاسرائيلية وراء كل قصة. الا ان الاهتمام الاسرائيلي بافريقيا لا يخفي علي احد , خاصة بعد ان كسرت معاهدة السلام مع مصر حاجزا تقليديا بين اسرائيل و القارة السوداء واتاحت لتل ابيب فرصة اقامة علاقات دبلوماسية مع دول افريقيا التي لم تكن حتي تعترف بها.

علي كل حال , فللاسرائيليين مع النيل قصة يذكرها كل من اهتم بهذا الملف.

في 16 يناير 1979 نشرت مجلة ' اكتوبر ' , ذات العلاقة المعروفة بالرئيس الراحل انور السادات خطابا من الرئيس المصري الي مناحم بيجين رئيس الوزراء الاسرائيلي يقول فيه : ' سوف نجعل مياه النيل مساهمة من الشعب المصري باسم ملايين المسلمين كرمز خالد وباق علي اتفاق السلام , وسوف تصبح هذه المياه بمثابة مياه زمزم لكل المؤمنين اصحاب الرسالات السماوية في القدس ودليلا علي اننا رعاة سلام ورخاء لكافة البشر ' . وقالت المجلة ان السادات اعطي بالفعل اشارة بدء حفر الترعة , وطلب عمل دراسة جدوي دولية لتوصيل المياه الي القدس.

ورغم ان الاستاذ انيس منصور و الذي كان رئيسا لتحرير اكتوبر وقتها ومقربا من الرئيس السادات قال بعد ذلك ان السادات لم يكن يقصد , وان الرسالة لم تكن اكثر من بالون اختبار , الا ان الدكتور بطرس غالي و الذي كان وزيرا للدولة للشئون الخارجية ايام السادات , كان قد قد قال في مذكراته ان موشي ديان ابلغه موافقة الرئيس السادات علي مد مياه النيل لاسرائيل وهنا ابلغ بطرس غالي الدكتور مصطفي خليل رئيس الوزراء بما سمعه وهرع الاثنان للسادات للتاكد من الخبر فاكده لهما!! وهنا ابلغه د.مصطفي خليل ان هذا غير قانوني ويتنافي مع اتفاقيات حوض النيل فقال له السادات و الرواية لغالي ' نبقي نقول لهم المية بتروح في البحر ' .

ايا ماكان الامر , فالفكرة رغم غموض مازال يحيط بكثير من تطوراتها لم تتم. ولكنها بقيت دوما في خلفية مايجري. كما بقيت مذكِّرة دوما بالدور الذي لعبته المياه في الصراع العربي الاسرائيلي. وبالتذكير به كرقم اساسي في معادلة الامن القومي.

في صفحات التاريخ نقرا :

_ في مارس 1903 ومن نافذة فندق ' شبرد ' , الذي كان ينزل فيه , تامل تيودور هيرتزل طويلا نيل القاهرة الذي يجري امامه قبل ان يذهب للقاء اللورد كرومر ليقترح عليه ' ان نمد فرعا من النيل الي صحراء سيناء لنتمكن من توطين اليهود المهاجرين هناك ' , وكانت مسالة توطين اليهود في سيناء محل بحث وقتها , وموضوعا لمفاوضات ماراثونية يهودية بريطانية اشترك فيها تشامبرلين وزيرالمستعمرات البريطانية , وغيره من المسؤولين البريطانيين. اصطدمت علي الدوام بعدم ترحيب بطرس غالي ' الاب ' وزير الخارجية المصري ايامها , قبل ان تنهار تماما علي صخرة الاسباب التقنية التي طرحها مهندس الري البريطاني وليام جارستون الذي كان رايه ان المشروع ' غير عملي. فضلا عن ان البريطانيين انفسهم لم يرحبوا بايقاف الحركة في قناة السويس لحين الانتهاء من حفر نفق لتمر به المياه اسفلها. ' Stewart , Desmond. ' Herzl’s Journeys in Palestine and Egypt. ' Journal of Palestine Studies 3 , No. 3 ' 1974 ' : 18_38 '

_ في عام 1967 , نشبت الحرب التي غيرت نتائجها مجريات الصراع في الشرق الاوسط. ولم يكن ' تحويل مجري نهر الاردن ' ببعيد عن كل ماجري.

_ في عام 1982 وتحت مسمي ربما كان ذا دلالة ' عملية الليطاني ' , اقدمت اسرائيل علي غزو لبنان للسيطرة علي نهر الليطاني , و الذي وفر لها 800 مليون متر مكعب من المياه سنويا.

_ في اوائل التسعينيات من القرن الماضي ظهر كتاب لخبير المياه الاسرائيلي ' اليشع كيلي ' , يعرض فيه من الناحية التقنية مشروعا متكاملا لتنفيذ فكرة هيرتزل القديمة ' Kally , Elisha , and Gideon Fishelson. Water Resources and the Arab_Israeli Peace Process. Westport , Conn : Praeger , 1993 '

-- .وغير ذلك كثير. دون مرة اخري ان نذهب بتوقعاتنا بعيدا. او ان نقع في محظور اختزال الامر كله في ' مؤامرات اسرائيلية ' مفترضة. فالحقيقة ان المسالة ابعد من ذلك بكثير , واننا وحدنا نتحمل المسؤولية كاملة.

_ _ _

هل لمصر حق قانوني في النزاع الحالي حول مياه النيل؟

الاجابة الواضحة و المختصرة : ' نعم ' وفي ذلك تفصيل كثير يكفي مراجعة اتفاقية فيينا لعام 1978 الخاصة بالتوارث في مجال المعاهدات الدولية و التي تقضي بعدم المساس بحقوق الدول النهرية

ولكن السياسة لم تكن ابدا قانونا فقط. فكما اهدرت السياسة يوما ما ما اتت به الحرب عام 1973 , هانحن نخشي اليوم ان نراها وقد اهدرت حقا قانونيا لم نعد في المكان ' او المكانة ' التي تمكننا من الحفاظ عليه.

والخلاصة ان السياسة المصرية تجاه ملف النيل في السنوات الاخيرة جانبها التوفيق , اذ بدا انها انها اطمانت كعادتها الي ' التوقع بالتمنيات ' . فطوال اكثر من عشر سنوات من المفاوضات لم ننتبه الي اصرار دول المنبع علي مطالبهم , بل ولم نكترث بان هناك ابحاثا علمية تجري هناك , ودراسات جدوي , ووفود تذهب وتجيء. لم نر جديدا هناك , رغم انه كان يطرق بابنا كل يوم. لم يخدعنا احد , فموقف الآخرين كان ' واضحا ومحددا ومعلنا ' , لعشر سنوات كاملة. ورغم ماجري في كينشاسا ' 2009 ' من خلاف بدا لكل ذي عينين انه تجاوز خط اللاعودة , الا ان المنهج ' الفرعوني ' في التفكير كان كعادته كافيا لعدم رؤية ' عصا موسي تتحرك ' .

تغير العالم -- فرفضنا رؤيته يتغير. ورفضنا ان نعترف ولو لانفسنا اننا تغيرنا , فكان طبيعيا ان يتغير الآخرون. رفضنا ان ندرك ان التمثال القائم في جوهانسبرج هو لعبد الناصر الراحل منذ اربعين عاما , لا لاحد بعده. كما غفلنا عن ان ثلاثين عاما من الابتعاد و التعالي عن القارة ' السوداء ' التي كنا يوما الهاما لثوارها وقادتها له بالتاكيد تبعاته وآثاره. وبدا مضحكا ان من نسي تاريخه , يتحدث اليوم عن حقه التاريخي.

قبل سنوات ثلاث ' 2010 ' , وبعد ان نبهت الصحافة المصرية الي ان هناك مشكلة في الافق , تذكرت مصر الرسمية ان هناك بلدا ' يملك مفاتيح النهر ' اسمه اثيوبيا. ولطمانة المصريين الذين كانوا في طريقهم الي صناديق الاقتراع. حرص التلفزيون المصري ' الرسمي ' علي اجراء حوارمع رئيس حكومتها ميليس زيناوي ' توفي في اغسطس من العام الماضي ' . وكان الرجل قد ادلي بحديث ' للجزيرة ' قبلها بايام ' 19 مايو 2010 ' قال فيه نصا : ' اعرف ان البعض في مصر لديهم افكار بالية تستند الي ان مياه النيل هي ملك لمصر وهي تمتلك الحق في كيفية توزيع مياه النيل , وان دول المنبع غير قادرة علي استخدام المياه لانها غير مستقرة وفقيرة ' .

مضيفا : ' هذه الظروف تغيرت , فاثيوبيا فقيرة ولكنها قادرة علي تسخير الموارد الطبيعية الضرورية لاقامة اي اشكال من البني التحتية و السدود علي النهر -- لا اري ما يمنع مصر من الانضمام للركب , لن تستطيع مصر ان توقف اثيوبيا او تمنعها من بناء سدود علي النهر , هذا تاريخ ولن يكون جزءا من الحل , فالحل ليس هو محاولة مصر ان توقف ما لا يمكن وقفه ' .

قد يكون ان اية اجراءات قد تقوم بها اثيوبيا او غيرها , لن يكون لها تاثير علي الارض قبل عشرين عاما علي الاقل , كما طمان سياسيون مصريون ناخبيهم يومها. ولكن تبقي حقيقة ان عشرين عاما في عمر النهر , ليست اكثر من طرفة عين.

يومها بدا رغم اهتمام التلفزيون الرسمي بالحوار , وبالبلد الآفريقي ' الشقيق ' ان هناك من جاء متاخرا جدا فاثيوبيا / زيناوي , لم تعد هي الحبشة / هيلاسلاسي. وان ما سمعناه يومها من الحاكم الاثيوبي , لم يكن ابدا تكرارا لما كان اسلافنا يسمعونه من ' الامبراطور ' في حضرة ' الزعيم ' او في بهو الكاتدرائية المصرية في العباسية.

_ _ _

اين نحن الآن؟ ربما امكن تلخيص شيء من الاجابة في النقاط التالية :

بعد سنوات من المفاوضات , خسر المصريون , ربما بلاعودة معركة التمسك بالاتفاقات القديمة. فما جري قد جري , و الدول السبع التي وقعت في عنتيبي , قد مضت خطوة الي الامام كما قال لنا زيناوي قبل سنوات ثلاث ولا يعنيها من بعيد او قريب ان يتمسك البعض باتفاقياتهم القديمة. ' نحن نعيش في قرن جديد ' كررها الرجل احدي عشرة مرة في حديثه للتلفزيون المصري , كانما يقولها لمن لايريد ان يعترف بحتمية ' التغيير ' .

الملف الذي ترك عشر سنوات كاملة للفنيين , رغم حقيقة مركزيته في ' الامن القومي ' المصري , اتضح انه سياسي بامتياز. ولم يعد العامل الحاسم في المعادلة هنا , مقياس النيل ارتفاعا وانخفاضا , او بندا في اتفاقية هنا او بندا هناك. وانما ' قدرة ' كل طرف علي ان يصل الي اهدافه. ويعرف التاريخ و العلاقات الدولية ان لهذه القدرة عوامل ومعايير.

رغم تخوفٍ مشروع من ان دبلوماسية اللحظة الاخيرة جاءت بعد ' ان سبق السيف العزل ' , الا ان لاشيء غيرها ممكنٌ ' وواقعي ' الآن. شرط ان يكون لها استراتيجية واضحة , وان لاتكتفي بالتعامل مع التداعيات دون النظر الي المسببات.

ان حل مشكلات حوض النيل بعد ان فات مافات يتطلَّب النظرة الي الحوض كوحدة مائية واقتصادية وبيئية واحدة واعتراف كل دولة بحقوق الدول الاخري , دون حديث استعلائي جري اختباره. يقول الخبراء ان الطاقة الكهربائية في اثيوبيا التي يمكن توليدها من النيل وحده تكفي كل دول الحوض , وان امكانيات السودان الزراعية , و الثروة السمكية في البحيرات الاستوائية تشكل آفاقا واسعة للتعاون. يبقي ذلك كله مرهونا ' بالسياسة ' .

_ _ _

وبعد --

فلا احد يملك بحسابات المسؤولية التاريخية ان يهون من الامر , ف ' مصر هبة النيل ' , ليس مجرد قول ماثور لمؤرخ مشهور , ولاعبارة يبدا بها التلاميذ مواضيع الانشاء. بل هي حقيقة حفرتها الجغرافيا في كتاب التاريخ. وعبر آلاف السنين كان النيل دوما اشبه ' بالحبل الشوكي/ العصبي ' الذي يربط الجسم كله زراعة واقتصادا وتكاملا ' ودولة مركزية ' . يحدثنا المقريزي ان الناس في مصر ' كانت تاكل بعضها بمجرد ان ينقص مقياس النيل لاقل من 16 ذراعا ' .

ولكن لااحد يملك اليوم , وايضا بحسابات المسؤولية التاريخية , ان يتحدث ' حديث السادات ' مهددا بقصف اديس ابابا ' منجستوهيلاماريام ' , فتلك لغة ' قرن فات ' , وارجعوا الي حديث زيناوي واشاراته الاحدي عشرة.

_ _ _

' النيل نجاشي ' نعم منذ ان عرفناه قبل آلاف السنين. ولكن عرفنا ايضا ان احدا لم يبخل به يوما حبا او احتراما علي مصر -- ' التي كانت ' .

و اقراوا التاريخ .


النِّجاشِيّ : في ' لسان العرب ' هوكلمةٌ للحبَش تُسَمي بها ملوكها .


و الكلمة في اللغة العربية منذ بداية عهد الدعوة الاسلامية , فقد اذِن الرسول [ لعدد من اصحابه الذين لَقُوا الاضطهاد من قريش في الهجرة الي ارض الحبشة ' فان فيها ملِكا لا يُظلَم عنده احد ' , وكان لقب ذلك الملك ' النجاشي ' .

فهمي هويدي : هل تلوث العقل الجمعي المصري الي تلك الدرجة ؟


من اشق ما يمكن علي ' المرء ' ان يكتب في السياسات الجارية الآن. لان الموقف ' في مصر ' علي قدر هائل من الاستقطاب بين طرفين كليهما جانح عن التوازن. وحجم الاخطاء المرتكبة التي تمارس كبير جدا. ولا يترك هذا الوضع مجالا للمواقف المتوازنة ولا للحديث و التعليق الموضوعي علي الاحداث و التصرفات ' ذلك ان ' اي نقد لاي تصرف يستغله الطرف الآخر بما لا يبقي وجها للاستقلال عنه ولا التميز عنه. واي تاييد لموقف احد الطرفين يعتبر انحيازا له لدي الطرف الآخر. وهذا الحال هو من سمات فترات ' الحروب الفكرية ' التي حذرنا منها من سنين بعيدة. فان اول افعال تلك الحروب واهمها هو تحطيم جسور الاتصال بين الاطراف المتحاربة وتكليف حراسة الحدود وتعبئة الحراس علي الحدود بين الاطراف المتواجدة. وسيادة معيار وحيد هو الانحياز المطلق او الصمت التام.

الفقرة اعلاه بكاملها ليست لي , ولكنها منطوق شخَّص فيه المستشار طارق البشري احد اهم اوجه ازمة الطبقة السياسية المصرية بعد الثورة , حين قرر من جانبه ان يتمرد علي ذلك الواقع , ويسجل رايه في قراري المحكمة الدستورية بشان الانتخابات. وكانت جريدة الشروق قد نشرت مقالته تلك في عدد 2/6 الحالي , وبسبب غيابي عن مصر حينذاك , فانه لم يتح لي ان اطالع المقالة الا في وقت لاحق. وهو ما مس وترا حساسا عندي تختلط فيه مشاعر الدهشة و الحيرة و الحزن. ذلك ان الحرب الفكرية و السياسية التي تدور رحاها في الساحة المصرية قلبت المشهد السياسي علي نحو لم يكن في الحسبان , من حيث انها شوهت مدارك وقطعت علائق ونسفت جسورا واقامت علي انقاضها جدرانا عالية رفعت شعارا واحدا هو ' الاحتراب هو الحل ' , فلا سلام ولا كلام ولا وئام في نظر البعض بل ما عاد الوطن يحتمل عيشا مشتركا , بعدما بدا ان استمرار احد الطرفين بات مرهونا باقصاء الطرف الآخر , وابادته سياسيا علي الاقل. والي ان يتحقق ذلك , فلا حدود للاشتباك , ولا قواعد للصراع ولا كرامة لاحد من المتصارعين.

التشخيص الذي ساقه المستشار البشري في تقديمه لوجهة نظره بشان قراري المحكمة الدستورية قد لا يكون مضطرا لايراده في الظروف العادية. لانه كان بوسعه ان يدخل في الموضوع مباشرة دون ان ينبه القارئ الي التشوهات التي باتت تعاني منها الساحة الثقافية المصرية في الوقت الراهن , التي سممت الاجواء علي نحو بات الحياد في ظلها مستحيلا , كما بات الكلام الموضوعي مسوغا للاتهام بالتحيز. وهو محق في ذلك لا ريب لاننا صرنا بازاء ظرف غير عادي تغيرت فيه المعايير وتبدلت المفاهيم , ليس لدي عامة الناس فحسب انما ايضا لدي النخب وفي اوساط الطبقة السياسية ايضا.

اذا لم تخاصم الطرف الآخر وتتجه اليه بالهجاء و السباب فانت لست متهما بالانحياز فحسب , ولكنك خارج عن الملة الوطنية في نظر طرف ومشكوك في صدق ايمانك في نظر الطرف الآخر.

من ثم فما قد تظنه حيادا او رؤية موضوعية تنتقد السلبيات وترصد الايجابيات , هو عند الميليشيات السياسية المتربصة مسوغ للتكفير و الطرد من جانب كهنة الطرفين , وهو طرد من حياض الملة الوطنية عند طرف , ومن حياض الملة الدينية في نظر الطرف الآخر.

هذا التسميم للاجواء لم يقتصر اثره علي ملاحقة اصحاب الراي وممارسة مختلف الضغوط عليهم لتخييرهم بين الانحياز المطلق او الصمت التام , وانما دفع ذلك بعض الذين يحترمون انفسهم ويؤثرون البعد عن العراك ومظان التجريح الي العزوف عن الكلام و الاعتصام بالصمت. اعرف نفرا من هؤلاء ممن باتوا يرفضون الظهور في وسائل الاعلام اعتزازا بكرامتهم وحتي لا يصبحون هدفا لحملات ' الردح ' التي تحفل بها المنابر المختلفة , من جانب عناصر الشتامين الذين اصبحوا يوزعون بجراة مدهشة صكوك الوطنية و الغفران علي الموالين , ويطلقون احكام الاعدام و التخوين علي المخالفين.

للاسف , فان مسيرة الاستقطاب تتحرك من سيئ الي اسوا. وحالة الاحتراب السياسي لم تعد تكتفي بقطع الجسور واقامة الاسوار , وانما عمد البعض الي احاطتها بسياج من البغض و الكراهية جعلنا نياس من احتمالات بزوغ الرشد واستعادة الوعي في الاجل المنظور. حتي اننا بعدما كنا نري ضوءا في نهاية النفق اصبحنا نتلمس النفق في نهاية الضوء !

هل يعقل ان تكون اللوثة قد اصابت العقل الجمعي المصري الي تلك الدرجة ؟

فهمي هويدي يكتب : هل تخلى السودان فعلا عن مصر ؟


لا اريد ان اصدق ان السودان تخلَّي عن مصر في موقفها من قضية سد النهضة الاثيوبي.

واذا صح الخبر الذي نشرته صحيفة الشروق امس ' الجمعة 7/6 ' , فان ذلك سيكون بمثابة الفشل الثاني لمصر بعد فشلها في احتواء الموضوع من البداية مع اثيوبيا , الامر الذي ينبهنا الي ان ثمة ثغرة خطيرة في قنوات الاتصال مع الخارج , حتي فيما يخص الامن القومي المصري , وهذه الثغرة ينبغي ان تحدد اولا ثم تعالج بمنتهي السرعة و الحزم ثانيا.

لقد تحدثت صحيفة الشروق في تقريرها علي صدر الصفحة الاولي امس عن نقاط محددة في الموضوع في مقدمتها ما يلي : ان الخرطوم اتخذت خطوات غير معلنة باعادة جميع انشطتها في مبادرة حوض النيل دون التشاور مع مصر ان مصر معتمدة بشكل اساسي في صياغة موقفها علي التنسيق مع السودان. ولذلك فان لديها تخوفات من اية مفاجآت تصدر عن الخرطوم ان ثمة خلافا بين البلدين كان يدور في الغرف المغلقة الا ان الطرفين كانا يخرجان بموقف مشترك في نهاية المطاف. ونقل التقرير المنشور عن مصدر سوداني انتقادا للموقف المصري تحدث عن نقطتين : الاولي ان القاهرة لا تزال تعامل السودان باعتباره الشقيق الاصغر. و الثاني ان السد ' الاثيوبي ' له منافعه بالنسبة للسودان ويجب ان تضع مصر تلك المنافع في حسبانها , قبل التخوف من افتراض نقصان حصتها من المياه.

لم يتسن لي التاكد من دقة هذه المعلومات. ولذلك ساظل عند تحفظي ازاءها. مكررا انها ' اذا صحت ' فهي تعني عندي اشياء كثيرة. وقبل ان اسجل ما لديَّ في هذا الصدد انبه الي عدة امور منها ما يلي :

انه لا ينبغي ان تكون لمصر مشكلة في العلاقات بين الجارتين السودان وليبيا. وهذا ما سبق ان قلته اكثر من مرة , ليس فقط لان الدول الثلاث تمثل اضلاع المثلث الذهبي التي يعد تكاملها شرطا لنهضتها , ولكن ايضا لان تلك احدي بديهيات الدفاع عن الامن القومي المصري.

ان العلاقات الايجابية بين الدول حتي اذا لم تكن متجاورزة لا يشترط لانجاحها الاتفاق في كل ما هو معلق بينها من ملفات وقضايا. لكنها تقوم حين يتوافر الاحترام المتبادل فيما بينها وحين يدرك كل طرف بان له مصلحة في التعامل مع الطرف الآخر. وتقاس الحكمة السياسية لدي الطرفين بمقدار قدرتهما علي تحقيق المصالح و المنافع حتي في ظل استمرار الاختلاف بينهما.

سيكون مدهشا وصادما ان تكون مصر قد فوجئت بتغيير الخرطوم لموقفها اكرر اذا صح الكلام المنشور تماما كما فوجئنا بالتطورات التي حدثت في اثيوبيا. ذلك ان ما افهمه ان مثل هذه الملفات المتعلقة بالمصالح العليا و الامن القومي للبلد لا تترك للمفاجآت , ولكنها تحتل موقعا خاصا لدي اجهزتها السياسية و الامنية , ويتفرغ لعلاجها واجراء الاتصالات بشانها اناس يجرون الاتصالات ويجمعون المعلومات ويحللونها , ويضعون التوصيات و الخيارات امام جهة القرار السياسي. وكفاءة تلك الاجهزة تقاس بمقدار قدرتها علي التنبؤ وتصويب المسار بحيث تجنبنا امثال تلك المفاجآت التي تمس المصالح العليا. وهذه بدورها بديهيات في العمل العام , يبدو اننا بحاجة الي التذكير بها.

ان ما بين مصر و السودان علاقات لها خصوصية شديدة , تتجاوز بكثير حكاية الشقيقة الكبري و الشقيق الاصغر وهذه الخصوصية اذا اخذت علي محمل الجد فانها تهيئ مناخا من الثقة و الفهم يجنب كل طرف ان يفاجا بسلوك او موقف غير متوقع من الطرف الآخر. باعتبار ان انفتاح قنوات التواصل السياسية و الامنية يحول دون حدوث امثال تلك المفاجآت.

الاسوا من المفاجاة السودانية ان تكون تلك القنوات قد اضعفت او عانت من القطيعة و الانسداد. بين القاهرة و الخرطوم. وذلك اذا كان قد حدث مع الاقربين فلا يستبعد حدوثه مع الابعدين , الامر الذي يعني ان الامن القومي للبلد في خطر محقق.

انني اتصور ان يكون ملف المياه و العلاقات مع السودان ودول حوض النيل في عهدة فريق عمل من الخبراء السياسيين و الامنيين الذين يقومون بالمهام التي اشرت اليها توا. وحين نفاجا بخطوة سلبية مثل تلك التي تحدثت عن تغير موقف الخرطوم , فذلك يعني احد امرين اما ان ذلك الفريق غير موجود اصلا , وهو ما استبعده , او انه فشل في مهمته وهو ما ينبغي ان نتداركه. علي الاقل من خلال اسناد الملف لمن هم اقدر علي ادارته بنجاح. الاحتمال الثالث و الاتعس ان يكون ذلك الفريق قد قام بما عليه , ولكن القرار السياسي اجّل حسم الموضوع , كما حدث في حالات اخري , الامر الذي يضعنا امام مشكلة كبري تحتاج الي كلام اكبر.

سيف الدين عبد الفتاح : انتقاد الثورة لنفسها ذاتيا قبل أن تنقض اهدافها


من المهم ان نؤكد بعد مرور فترات معينة ان نذكر انفسنا بفضيلة النقد الذاتي , ذلك ان تقاليد النقد الذاتي لا تزال غائبة في ساحاتنا الفكرية و السياسية , وتبدو كافة التوجهات و القوي متحفزة مستنفرة في مجال نقد الغير تترصد له كل الاخطاء و المعايب من كل طريق , وتتلمس السلبيات من كل فج عميق , بينما في المقابل من ذلك تتراخي وربما يتواري لديها اي ممارسة لنقد ذاتي رغم وضوح معاييبها ورغم بروز سلبياتها , وكانها بممارساتها تلك تري ان قيمتها تزيد بهجاء غيرها , وفي هذا المقام تبدو موازين النقد اقرب ما تكون الي مداخل للنقض وليس لعملية بناء حقيقية للمواقف و التوجهات و الوطن.

النقد الذاتي هو ممارسة عملية لقدرات اي كيان علي القيام بوظيفة المراجعة الذاتية حتي لا يعتقد في نفسه العصمة او يضفي الشرعية علي اي انحراف او اي عيب او خطا في التفكير او التدبير او الممارسة , وهو بذلك يعبر عن طاقة عملية يجب ان تمارسها الذوات و الكيانات حتي تضمن صحة المسير و الخيار الرشيد , و النقد الذاتي كذلك عمل يشجع الكيانات علي الالتقاء علي كلمة سواء لكل ما يؤدي الي مواصلة عملية البناء و المبادرة الي تلمس الاخطاء في الذات حتي يمكن تصحيح المسيرة و المسار.

اذا كان هذا هو النقد الذاتي فكيف يمكننا ان نعود الي مشهد يجب ان نتدبر منه العبرة من الخبرة ونلتقط منه الفكرة , مفاد هذا الامر هل يمكننا ان ننتقد مسار هذه الثورة منذ الحادي عشر من فبراير في العام 2011 , في اي امر اخطات الثورة واهلها؟ وما هو الطريق الذي سلكته وكان عليها الا تسلكه , و الطريق الذي لم تسلكه وكان عليها ان تطرقه؟ اسئلة محورية طافت علي ذهني , ونحن في خضم عام ثالث لهذه الثورة يجب علينا ان نتبين ونتبصر مواقع اقدامنا لثورة يراها البعض لم تتم , ويراها البعض الآخر انه اُلتف علي مكاسبها , او انها لم تدرك بغيتها ولم تحقق اهدافها ومطالبها.

●●●

اذا اردنا ان نعدد بعض هذه الانتقادات المفصلية فان اول انتقاد انما يتعلق في ترك الثوار للميدان بشكل مادي وبشكل رمزي , وتركهم مساحات الحكم كاملة لمن ينوب عنها من دون التعرف علي قدراته في تسيير دفة الحكم بما يضمن تحقيق اهداف الثورة , واذا كانت هذه الثورة قد افتقدت القائد وهذا من اهم ميزاتها بل ربما من اهم عوامل نجاحها الا ان افتقاد القيادة بعد ذلك شكّل عيبا وعبئا عليها.

كان من المهم ان نبدع رؤية تقوم علي الشراكة في الحكم متمثلا في رموز مدنية تحقق المعني الذي يتعلق بالرقابة علي جهة التسيير اي كانت الجهة التي ستقوم بذلك. الامر الاول : مفاده ' الثورة لابد وان تحكم , فان لم تحكم فان اضعف الايمان ان تشارك في الحكم ' .

الامر الثاني : يتعلق بان هذه الثورة لم تنشئ الادوات لحمايتها واستمراريتها منذ يوم الحادي عشر من فبراير لتحقق بذلك صمام امانها , وتكرس كل عناصر المناعة الذاتية في كيانها ومسيرها , نقصد بذلك كيف ان هذه الثورة ارادت ان تسير وبفعل من اختير لتسيير امورها بكل ادوات النظام القديم وبكل مسالكه واساليبه , كان هذا في حقيقة الامر شكل خيارا غير مقبول وغير معقول , ' لا يمكن حماية ثورة بادوات نظام بائد قديم ' , ربما يعمل في مضادتها وربما يشكل خطرا عليها.

وحبسنا من حبس في قمقم القانون بدعوي ان الثورة لا تعني تجاوز القانون الموجود او التعامل بقوانين جديدة , كان هذا الخيار الذي تهنا في متاهاته ادي الي خطوات شكلت فجوات بين الثورة واساليب حمايتها وتحولت المحاكمات الي بعض مشاهد من القاضي الطبيعي في فترة استثنائية لا تحتمل هذا المسار , كان لابد من ان تكون هناك محاكم ثورية تعبر عن طاقات لحماية هذه الثورة وتشكل من خلال القوانين الجديدة جهاز مناعتها الذاتية , الا ان الامر سار في غير هذا الطريق واهملنا القاعدة التي تؤكد علي ان ' للثورة ان تصنع ادوات حمايتها ' .

الامر الثالث : يتعلق بعمليات تطهير كانت لابد ان تتم مصاحبة لعملية التغيير وتحقق ضمان السير و المسير لكل ما يتعلق بالحالة الثورية , ان ثورة علي الفساد و الاستبداد لحريّة بان تبني المسار الذي يؤسس لاستراتيجية تطهير حقيقية لكل مكامن الفساد بطريقة عاجلة وفورية لا تحتمل الانتظار او التاجيل , وافتقدنا القاعدة التي تؤكد ان ' تطهير مجري الثورة هو جزء لا يتجزا من الحفاظ علي كيانها وتحقيق مسيرة اهدافها ' .

الامر الرابع : يتعلق بالشباب الذي لم يمكن ولم يتمكن رغم ان هذه الثورة قد قامت بشرارة عملهم وباحتضان شعبهم , الا ان الشباب تواري لسببين الاول حينما قامت قوي بعينها بتفريق هؤلاء الشباب و الثاني حينما تمكنت وترسخت قابليات التفرقة لدي هؤلاء الشباب , فتفرق دمهم بين القبائل وتصدرت النخبة القديمة العتيقة الساحة في مشهد درامي خطير ' استبعد الابطال وتمكين الشباب وتصدرت النخبة المحنطة ' .

الامر الخامس و الاخير في هذا النقد الذي تعلق بفيروس الاستقطاب الذي تمكن وتحكم , بل بدا يتحول الي حالة عنفية يحاول ان ينسخ وان ينقض مبدا : سلمية -- سلمية.

●●●

خماسية النقد الذاتي للثورة المصرية انما تعبر عن ضرورة ان نستلهم الدرس في مواجهة محاولات نقض هذه الثورة , فان ممارستها لنقدها الذاتي اولي درجات تحصينها و الحفاظ عليها , وضمان استمراريتها في عطائها , من هنا وجب علي الجميع ان يتعلموا درس استراتيجية نزع الفتيل و التعلم من الاخطاء , فالثورة لم تعد تحتمل اخطاء تقوض كيانها وتنقض اهدافها .

أحمد منصور يكتب كاشفا حقيقة التظاهرات في ميدان تقسيم التركي


تصادف وصولي يوم الاربعاء الماضي ظهر الخامس من يونيو الي مدينة اسطنبول نفس الوقت الذي تحركت فيه التظاهرة الكبري التي دعت لها النقابات العمالية اليسارية في تركيا للتوجه الي ميدان تقسيم في قلب اسطنبول للمشاركة في الاحتجاجات القائمة منذ عدة ايام علي قرار رئيس الورزاء التركي رجب طيب اردوغان بتحويل مركز اتاتورك الثقافي الذي يقع في قلب ميدان تقسيم الي مركز ثقافي ودار للاوبرا , والي اعادة بناء القلعة العثمانية التي هدمها اتاتورك عام 1940 واقام مكانها حديقة في قلب الميدان علاوة علي بناء مسجد في الميدان الذي يخلو من المساجد.

كنت قد اخترت فندقا قريبا من ميدان تقسيم حتي ارقب الاحداث عن قرب واعرف حقيقة ما يجري بعيدا عن تهويل وسائل الاعلام او تفسيراتها , لكن حظي اني حينما وصل بي سائق التاكسي قرب مبني بلدية اسطنبول كانت التظاهرة قد انطلقت متجهة الي ميدان تقسيم واصبحت الطرق شبه مغلقة , حاول سائق التاكسي العبور من الشوارع الضيقة و الحواري لكنه حينما وصل بي الي خليج القرن الذهبي قال لي : عليك ان تعبر الخليج من هذا الجسر وتتابع السير الي فندقك سيرا علي الاقدام وهو لا يبعد سوي كيلو متر واحد.

لكن الحقيقة التي اكتشفتها انه كان يبعد اكثر من كيلو مترين , لم اجد بدا من جر حقيبتي الصغيرة ذات العجلات الاربع و الانطلاق نحو الفندق سيرا علي الاقدام وبعد عبوري خليج القرن الذهبي وجدتني اسير في قلب التظاهرة وهتافاتها المعارضة لحكومة طيب اردوغان , كانت ملابس المتظاهرين متنوعة حسب النقابات العمالية التي يمثلونها , وكان عدد المشاركين لا يزيد علي بضعة آلاف لكنهم انتشروا علي مسافة طويلة واغلقوا الطريق حتي ميدان تقسيم.

وحينما وصلت الي منطقة يارا قبيل الميدان وجدت فندقي فودعت التظاهرة والقيت حقيبتي في غرفتي , ونزلت متوجها للميدان عبر شارع تقسيم , حيث كان في انتظاري هناك زميلاي في مكتب قناة الجزيرة عمر خشرم ونضال صيام , كان شارع تقسيم يعج بالناس كما عرفته دائما وكذلك بالسياح , وبدت الحياة طبيعية لكني حينما اقتربت من الميدان وجدت آثار الدمار علي بعض المحال وبعض ماكينات الصرافة الخاصة بالبنوك , اما في الميدان نفسه الذي كانت التظاهرة قد وصلته , فقد وجدت المتظاهرين قد تجمعوا بالقرب من الحديقة.

اعطيت ظهري لفندق مرمرة الذي بدا انه لم يتاثر بالعنف الذي وقع في المكان واخذت اتامل الميدان من كل جوانبه كما لم اتامله من قبل , كان عن يميني متحف اتاتورك الثقافي وهو الذي قررت حكومة اردوغان هدمه وتحويله الي دار للاوبرا , لكن المبني كان ملفوفا بلافتات تمتلئ بالعبارات الحادة ضد اردوغان وحكومته واعلام جميع المنظمات اليسارية و الشيوعية السرية و العلنية التي لها وجود في تركيا او انقرضت او علي وشك الانقراض.

لكني لم اجد علما واحدا لحزب الشعب الجمهوري وهو حزب المعارضة الرئيسي او اي حزب رسمي معارض آخر , وكان واضحا ان المعارضة الرسمية قد انسحبت من الميدان بعد اعمال العنف و الحرق و الاعتداء علي الممتلكات العامة لان هذه جرائم سيحاسب من ارتكبها ايا كان وفق القوانين التركية.

وائل قنديل يكتب عن حريق تمرد و عمرو موسى في مجمرة الثورية المهجنة


الاعتداء علي مقر حملة ' تمرد ' و اشعال النار فيه عمل جبان ومرفوض علي كل المستويات , ويوجب علي السلطة التنفيذية سرعة ضبط مرتكبيه وتقديمهم للعدالة لنيل العقاب اللازم , واذا كان رئيس الجمهورية قد تحدث كثيرا في حواره مع ' الاهرام ' امس عن الردع بتطبيق القانون علي كل الخارجين عليه بلا استثناء او مجاملة , فان المطلوب الآن ترجمة فورية لهذا الكلام علي ارض الواقع. وايا مَن كان وراء هذا الحادث فاننا امام جريمة بشعة في توقيتها وسياقها الزمني . ذلك انها تاتي في ظل حالة من استعار الغضب وبلوغ الاحتقان السياسي و المجتمعي حد الانفجار , ومن ثم لا يخفي علي كل من يمتلك عقلا ان المقصود منها التعجيل بافتتاح الجحيم واضرام النار في حطب الانقسام السياسي المؤهل للاشتعال مع القاء عود ثقاب من ' مجهول ' هو معلوم بالضرورة لمن يجيد قراءة المشهد الراهن .

فمن يسعي لاحراق اية فرصة لانسنة الصراع السياسي وعقلنة الاشتباك بين التيارات و الاحزاب و الجبهات المختلفة لن يتورع عن توجيه ضربات استباقية خسيسة تقطع الطريق علي اية محاولة لحوار او نقاش او حتي تفاوض متحضر , يمنع تصادما مخيفا يلوح في الافق .

و علي ذلك فان مساعي حرق ايمن نور وعمرو موسي في مجمرة الثورية المهجنة لا تنفصل ابدا عن اشعال حرائق الفتنة في دمنهور منذ يومين وبعدها في مقر ' تمرد ' بوسط القاهرة , و المستهدف واضح ولا يغيب عن اصحاب البصر و البصيرة و هو التبكير بوقوع الصدام بين قطارين ينطلقان بكل سرعة ورعونة عكس الاتجاه .

و مرة اخري : لو وقع التصادم لا قدر الله لا اهمية هنا ولا قيمة لحمولة كل من القطارين , فالكارثة ستتوزع علي الجميع بالقدر ذاته , ولن ينقذ هذا القطار كثرة ركابه , و لن يعفي الآخر من الهلاك قلة اعداد من فيه , فعند الاصطدام و الاشتعال لن ينجو احد .

و لو رجعت بالذاكرة امتارا فقط الي الوراء ستجد اننا عشنا شيئا من ذلك حينما امتدت اياد وحناجر لاضرام النار في مقار لحزب الحرية و العدالة وتلا ذلك احراق مقار صحف ومؤسسات , و المؤسف في ذلك الوقت ان كيلا بمكيالين طغي علي ردود الافعال علي هذه الجرائم , واستفقنا علي نوع من عقيدة ' الاستحلال ' لايذاء الخصم و التنكيل به , فلم تصدر ادانات مباشرة وصريحة لهذا الارهاب الاسود , بزعم غموض الموقف , و الاسوا ان هناك من حاول توفير غطاء سياسي ومنطق تبريري لها .

و من ثم يبدو غريبا ومحيرا التسرع في توجيه الاتهام للرئيس ونظامه وجماعته هذه المرة , وقبل ان تنطفئ السنة اللهب وتتكشف خيوط الجريمة , الامر الذي يجسِّد حالة من الخضوع للابتزاز و الانقياد الي المزايدة في المواقف المتشنجة , قبل ان يعرف احد مَنْ فعل ماذا و لماذا ؟

ويبقي اسوا ما يمكن ان يصيب مصر ان يستسلم من يفترض انهم عقلاء وحكماء فيه لمنطق المزايدات ويجبنون عن مواجهة فزاعات التخوين وبالوعات البذاءة و الاسفاف المفتوحة علي امتداد الشارع السياسي , فيكتفون بالفرجة علي ابناء وطن تسلقوا معا قمة جبل ثم اتخذوا قرارا جماعيا بالانتحار سقوطا الي السفح .

ﻣﺎﺭﻙ ﺯﻭﻛﺮﺑﻴﺮﺝ : الفيسبوك ليس ضمن برنامج CIA السري للتجسس على مستخدمي الانترنت


قال ﻣﺆﺳﺲ ﻣﻮﻗﻊ ' ﻓﻴﺲ ﺑﻮﻙ ' ﻣﺎﺭﻙ ﺯﻭﻛﺮﺑﻴﺮﺝ : ' اود ان ارد شخصيا علي بعض التقارير الصحفية التي كشفت عن برنامج سري , يُدعي ' بريزم ' تابع لوكالة الامن القومي الامريكية .

و اضاف ' زوكبيرج ' , عبر حسابه الخاص علي موقع التواصل الاجتماعي , في ساعة مبكرة من صباح اليوم السبت , ان موقع فيس بوك , لم يكن ابدا ضمن اي برنامج سري يمكن الحكومة الامريكية او اي حكومة الدخول علي خوادمه .

و أشار الي انه لم يسبق و تلقينا اي طلب سري او امر قضائي لاعطاء معلومات او بيانات لمستخدمي فيس بوك لجهة حكومية , مثلما حدث مع مزود خدمات الاتصالات الامريكي ' فيريزون ' , و الذي قام بتسليم كافة بيانات الاتصالات الهاتفية لملايين من عملائه الي الحكومة الامريكية .

و اشار الي انه , اذا كانت هذا التقارير بشان فيريزون صحيحة فنحن سنقاومها بشدة , كما اننا لم نسمع عن ما يعرف ببرنامج ' بريزم ' الا امس فقط ' , مؤكدا انه عندما طلبت منا الحكومة الامريكية امدادها بمعلومات معينة , قمنا بمراجعة دقيقة لجميع تلك الطلبات , لنتاكد انها تتوافق مع القوانين المعمول بها في الدولة , و حينها فقط نقوم بامداد الحكومة بتلك المعلومات في اطار القانون -- ' .

و اضاف : ' نحن مستمرون في الدفاع بقوة عن سرية و امان المعلومات و البيانات الشخصية لمستخدمي فيس بوك , كما اننا نشجع بشدة ان تكون الحكومات اكثر شفافية فيما يتعلق ببرامجها التي تهدف الي الحفاظ علي امن المجتمع , فهذا هو السبيل الوحيد للحفاظ علي الحريات المدنية لكل مواطن و تحقيق المزيد من الامن و الحرية للمجتمع ' .

رسالة الرئاسة الغير العفوية الى اثيوبيا عماد الدين حسين


ظهر امس الاول الاربعاء ذهبت الي رئاسة الجمهورية لحضور لقاء رؤساء التحرير و الاعلاميين مع الدكتورة باكينام الشرقاوي و الدكتور ايمن علي مساعدي رئيس الجمهورية , و الدكتور علاء الحديدي الناطق الرسمي باسم مجلس الوزراء , وكان موظفو التليفزيون يجهزون انفسهم , فكان السؤال الاول لهم هو : ' مذاع علي الهوا ام مسجل؟ ' .

اللقاء حضره اكثر من 35 شخصا , قليل منهم صحفيون و الغالبية من رؤساء محطات الاذاعة وقنوات التليفزيون المصري من النايل كوميدي ودراما الي رئيس محطة القرآن الكريم.

اللقاء يفترض انه في اطار نشاط دوري بين مؤسسة الرئاسة و الاعلاميين بهدف الاطلاع علي آخر المستجدات اولا باول , لكن العدد الكبير لا يسمح باي نقاش معمق.

اللقاء كان مفيدا للغاية وحضره الناطقان الرسميان باسم الرئاسة الوزيران المفوضان عمر عامر وايهاب فهمي اضافة الي اسامة عرابي وخالد بركات المستشارين الاعلاميين بمؤسسة الرئاسة وتمحور فقط حول ازمة سد النهضة الاثيوبي.

سالت مساعدي رئيس الجمهورية : هل تعترفون بوجود ضرر جراء لقاء مرسي مع السياسيين و الكلام الغريب الذي قيل علي الهواء , وكيف ستصلحونه مع اثيوبيا؟.

المفاجاة ان المسئولين قالوا اننا لم نتضرر من الامر , فمن حق اي سياسي ان يعبر عن رايه , ويظل رئيس الجمهورية معبرا عن الموقف الرسمي.

خلاصة الامر انني فهمت بطريقة او باخري ان ما حدث يوم الاثنين كان مقصودا او مرتبا او عفويا , المهم ان تصل رسالة اساسية الي اثيوبيا عنوانها : ' ان كل مصر ضد اي مشروع يهدد حصتها من مياه النيل ' .

الدكتور ايمن علي و الدكتورة باكينام الشرقاوي رايهما ان السياسيين غير الرسميين من حقهم التعبير كما يشاءون عن انفسهم , وانهم يتحولون في الديمقراطيات الكبري الي ادوات مهمة من ادوات الضغط.

كلام مهم وجميل ولا خلاف عليه , لكن السؤال الطبيعي و المنطقي هو : كيف يتم ذلك؟!. هل يتم بالتنسيق مع من يتم استخدامهم , وبصورة عفوية , ام ' نترك الناس علي عماهم ' , ليقولوا ' السودان بقي مقرف , او نطلق شائعة ان عندنا طيارات تتزود بالوقود في الجو؟! ' .

نعم في كل الديمقراطيات يتم استخدام جميع ادوات الضغط وفي مقدمتها الاحزاب المعارضة و المجتمع المدني وللاسف اسرائيل ماهرة في هذا الامر ولكن اذا كانت مؤسسة الرئاسة تقصد ذلك او فعلته بحسن نية لارسال رسالة الي اثيوبيا فقد تكون الرسالة وصلت فعلا لكن ربما تكون تكلفتها باهظة.

السؤال هو : هل المطلوب ان نكسب اثيوبيا , ام نرهبها ونكسب كراهيتها , الموجودة بالفعل من قبل؟.

في مثل هذه الامور ينبغي ان تقاس الامور باقصي دقة ممكنة حتي لا تتحول النوايا الطيبة الي الباب الذي يقود الي جهنم.

المؤكد ان كل المصريين مصطفون دفاعا عن حقهم في مياه النيل , لكن كيف يمكن توظيف هذا الاصطفاف بصورة صحيحة حتي يمكن اقناع اثيوبيا ان الثمن الذي ستدفعه جراء تهديد الامن المائي لمصر اكبر بكثير من الثمن الذي ستجنيه من بناء السد.

عندما تتحول قضية المياه في حوار الرئيس وكبار السياسيين ظهرا الي قضية ' الهواء ' ليلا في برامج التليفزيون , فالمؤكد ان هناك مشكلة كبيرة في الرسالة المطلوب ارسالها و الاهم في مرسل الرسالة نفسه.

مصطفى النجار : أحيلو العواجيز للتقاعد و ضعو الشباب في القمة


في صيف ٢٠١٢ قابلت في منتدي دولي يبحث علاقة امريكا بالعالم الاسلامي , مسئولة من وزارة الدفاع الامريكية تتولي مسئولية متابعة احدي الدول العربية ضمن ادارة متابعة العالم الخارجي بالوزارة ,

وادهشني ان عمر هذه المسئولة الذي لم يتجاوز الثلاثين ومع ذلك فقد تولت مسئولية بهذا الحجم ولكن بعد الحديث معها ابهرني حجم خبراتها وتنوع دراستها ومعرفتها العميقة بما تولت مسئوليته وحين استفسرت منها عن الدور الذي تقوم به ادارتها وهل يتقاطع هذا مع دور وزارة الخارجية قالت لي لا , لان دور العسكريين يختلف عن السياسيين و الدبلوماسيين وحماية الامن القومي للولايات المتحدة الامريكية يتطلب عملا بحثيا واستخباراتيا مستمرا يتوازي مع عمل الخارجية.

وفي نهاية نفس العام اتيحت لي الفرصة لزيارة الولايات المتحدة ضمن وفد دولي لمتابعة الانتخابات الرئاسية وكان من ضمن البرنامج زيارة لوزارة الخارجية الامريكية ولقاء بعض المسئولين عن ملف الشرق الاوسط , لم تعنني الديباجات الرسمية و البروتوكولية التي يتحدث بها المسئولون الامريكيون عن مصر و الشرق الاوسط و الاستراتيجية الامريكية الجديدة في التعامل مع هذه المنطقة بعد ربيع الثورات العربية وانما كنت اسال باستمرار عن كيفية صناعة القرار وآلية اتخاذه , ووضع الاستراتيجيات الكبري للتعامل مع الملفات الخارجية بالنسبة للولايات المتحدة.

لاحظ احد المسئولين بالخارجية الامريكية اهتمامي وتركيزي علي هذه المسالة فوجهني الي شخص آخر في نفس سني تقريبا , وقال لي سيجيب عن اسئلتك بشكل تفصيلي يشبع حبك للمعرفة , وبالفعل جلست مع هذا الشاب ليشرح لي كيف يتم اتخاذ القرار في الخارجية الامريكية.

تبدا عملية صناعة القرار من مراكز الابحاث الامريكية المعروفة ب ' Think Tanks ' , وتاثير هذه المراكز علي السياسات الداخلية و الخارجية وعملية صنع القرار في الولايات المتحدة تاثيرا بالغا.

هذه المراكز البحثية منتشرة ومتنوعة في المشهد السياسي الامريكي , اذ يوجد بالولايات المتحدة اكبر عدد من مراكز الابحاث في العالم بما يتجاوز 1800 مركز بحثي متخصص حصل منها معهد ' بروكنجز ' ذو التوجهات الليبرالية و المحسوب علي يسار الوسط علي الترتيب الاول في المراكز الاكثر تاثيرا في الولايات المتحدة و العالم , يليه مجلس العلاقات الخارجية الذي يعد الاكثر تاثيرا علي صعيد السياسة الخارجية , ومؤسسة كارنيجي للسلام الدولي , ومؤسسة ' هيريتيج ' ذات التوجهات المحافظة , ومؤسسة ' راند ' التي تهتم بابحاث وسياسات الدفاع و السلاح و المحسوبة علي يمين الوسط.

تمثل مراكز الابحاث في الولايات المتحدة حاضنات للمفكرين , ومن يرسمون السياسات في مجالات السياسة و الاستراتيجيات و الاقتصاد وقضايا الشان العام.

معظم هذه المراكز تكون مدعومة من جهات حكومية او شركات ويتم الدفع لها بسخاء من اجل الوصول الي معلومات وتحليل كامل ومنهجي للقضية او الملف المطلوب دراسته.

لا يقتصر عمل هذه المراكز علي امداد صناع القرار بالمعلومات و الدراسات و التقارير اللازمة بل تمثل مراكز اعداد للموظفين ورجال الدولة في الادارات الامريكية حيث تضخ العديد من الباحثين المحترفين للعمل داخل دوائر السياسة الرسمية في الولايات المتحدة , وغالبا ما ينتقل عدد ممن تقاعدوا او استقالوا من مناصبهم الرسمية الي العمل في هذه المراكز.

القرار الامريكي ليس قرارا فرديا يتخذه الرئيس منفردا وعلي حسب رغبته او نتيجة لرد فعل معين علي حدث معين كما انه ليس حزبيا حسب الحزب الحاكم.

فالرئيس الامريكي وبرنامج الحزب الذي ينتمي اليه له هامش كبير من الحرية في تحديد ورسم وتنفيذ كثير من السياسات الداخلية خصوصا الاقتصادية مثل النفقات و الضرائب و السياسة المالية , اما فيما يتعلق بالسياسات الخارجية الامريكية الاستراتيجية و المتعلقة بمناطق نفوذها في العالم تضعها وترسمها ' مؤسسات حكم ثابتة لا تتبدل ولا تتغير بتغير الرئيس او الحزب الحاكم ' وهي مصممة علي اساس المصلحة العليا الامريكية , وهي عبارة عن اربع جهات تتولي وضع الاهداف الاستراتيجية الخارجية للولايات المتحدة الامريكية في العالم وتستهدف حماية المصالح العليا الامريكية وهي :

وزارة الدفاع الامريكية ' البنتاجون ' , ووزارة الخارجية , و المخابرات المركزية و الامن القومي الامريكي و الذي يتولي وضع هذه السياسات الاستراتيجية في هذه المؤسسات ليس الوزير وانما مجموعة المستشارين الموجودين في كل مؤسسة من هذه المؤسسات اما المستشارون فغالبا ما يستمرون بعملهم , فهم الاعضاء الدائمون للمؤسسات الحاكمة التي تمثل امريكا وليس الحزب الحاكم.

الرئيس في الولايات المتحدة واعضاء حكومته لا يضعون سياسات او استراتيجيات , وانما هم منفذون لهذه السياسات و الاستراتيجيات , حتي ان الرئيس يقوم بالتنفيذ بواسطة مستشارين في جميع المجالات.

_ _ _

تذكرت كل هذا وانا اتابع كيف يتعامل النظام الحاكم في مصر مع قضايا الامن القومي مثل سد اثيوبيا وسيناء وغيرها , ولعل ما حدث في الاجتماع الاخير الذي اذيع علي الهواء وحظي بقدر تاريخي من الفكاهة و السخرية مما حدث فيه يجعلنا نعيد التفكير هل ستتقدم مصر وهي تدير اهم ملفاتها بهذا القدر من الارتجال و العشوائية؟

نعم نقر بانه لا توجد مؤسسات في مصر ومراكز متخصصة ومنظومة متكاملة تشبه منظومة صناعة القرار الامريكية وهذا ارث قديم لكن بعد الثورة لا يمكن ان تدار مصر بنفس الطريقة.

بدون العلم و المنهجية لن نخطو خطوة للامام , وادارة الدولة ليست بالفهلوة ولا بالاجتهادات الشخصية , اما عن مستوي النخب التي تتصدر المشهد فحدث ولا حرج , كيف نطمئن علي الوطن وهؤلاء حكامه وهؤلاء نخبته؟

الشباب الذين انهمكوا في اطلاق النكات و السخرية لا تسخروا من نخبتكم لان تراجعكم وترددكم وعدم ثقتكم في انفسكم هو ما جعل من هؤلاء نخبة وقادة يتحدثون باسمكم وهم لا يعبرون عن احلامكم وطموحكم , لذا حان الوقت , تجاوزوا هؤلاء واخرجوا من بينكم نخبة جديدة تزيل الركام وتتسلح بالعلم و المنهجية وتاخذ بمصر للمستقبل وتحيل هؤلاء المتكلسين الي التقاعد.

ابنوا المنظومة وغيروا شكل ادارة الدولة في مصر , جيلنا يجب ان يصدق انه يستطيع ان يقود وان هذه لحظته , ابتعدوا عمن يغتالون الاحلام وانطلقوا لتحمل مسئوليتكم تجاه الوطن.

وائل قنديل يكتب عن المفاوضات السرية بين موسى و الشاطر


لا تتوقع من العنوان اعلاه شيئا يخص ما جري في العشاء الذي جمع خيرت الشاطر وعمرو موسي في منزل ايمن النور -- هو فقط محاكاة لعنوان كتاب شهير للاستاذ محمد حسنين هيكل عن ' المفاوضات السرية بين العرب واسرائيل ' علي ضوء هذا الحريق الذي اندلع في حقول السياسة المصرية فور الاعلان عن لقاء يجمع المرشح الرئاسي السابق ونائب المرشد العام للاخوان المسلمين ورئيس حزب الحرية و العدالة سعد الكتاتني.

لقد نجحت ماكينات ضخ الكراهية في تحويل لقاء بين مصريين علي ارض مصرية الي خيانة وطنية واخلاقية , ومن عجب ان من بين الذين يعتبرونها هكذا من تلوثت اياديهم بمصافحة الصهاينة وتعفرت اقدامهم في مشاوير تطبيعية مع سياسيين وخبراء من الكيان الصهيوني.

وتبدو غريبة هذه الحالة من الفزع التبريري التي سيطرت علي خطاب عمرو موسي وحزبه ' المؤتمر ' بعد تسرب انباء اللقاء , وكانه ضُبِط في وكر للتطبيع مع جنرالات صهاينة , اذ وصل الامر بخطاب التبرير المرتعش حد استخدام مفردات من عينة الخديعة و التغرير , وكان الجلوس في حوار يحاول كبح الاندفاع المجنون في اتجاه صدام دموي تتصاعد فرص اندلاعه كلما اقتربنا من نهاية يونيو جريمة او سوءة يخفيها مرتكبها في غلاف من الكلام المرتبك المرتعد.

واحسب ان كل من يستطيع درء نذر الخطر القادم علي الجميع ويقف ساكنا سيكون مجرما في حق هذا الوطن , وسيكون مشاركا بقدر في صناعة ماساة حضارية اذا سالت دماء لا قدر الله في هذا اليوم الموعود.

ومن الواضح ان كل الاطراف تبدو مستسلمة لحمي الشحن السياسي و المجتمعي , و الطائفي علي نحو ما وهذا هو الآخطر في سيناريو ٣٠ يونيو الجاري , دون ان يسعي نفر من عقلاء هذا الوطن لمحاولة تهدئة رغبات الانتحار الجماعي التي تتفاقم يوما بعد يوم في ظل هذا الحقن الاعلامي لفرص التصادم بكل انواع الملوثات الفكرية و السياسية.

والمقصود بهذه الحملة الشعواء علي ايمن نور , وكل من يفكر في تفادي اصطدام وشيك بين قطارين يندفعان في اتجاهين متقابلين بكل سرعة , هو قطع الطريق علي اية محاولة مخلصة تعفي المصريين من ' داحس وغبراء ' علي الطريقة اللبنانية في السبعينيات و الثمانينيات , و الجزائرية في التسعينيات , تاتي علي الاخضر و اليابس وتلقي بالمصريين خارج نطاق التاريخ و الحياة المستقرة لسنوات وربما عقود.

والمثير للدهشة ان الذين جلسوا مع مرشح الثورة المضادة اثناء جولة الاعادة وابرموا اتفاقات شملت محاصصات في مناصب الوزراء و المحافظين مقابل دعمه ضد محمد مرسي , ثم هرولوا اليه في مهربه الفاخر وفضحهم مؤخرا , هم الاعلي صوتا في استنكار عشاء موسي و الشاطر.

ان الوجوه التي تسللت الي مطبخ الجنرال الفار الانتخابي , كبارا وصغارا , يتصدرون منصات الحشد لحريق ٣٠ يونيو الآن , ومن هؤلاء الصغار من هرول الي دعوة علي السحور في منزل شفيق في اول رمضان بعد الثورة اشاهدهم الآن يمسكون بميكرفونات ثورية ويخطبون في البشر ويعطون دروسا في نصاعة النضال ونقائه.

ومن العبث في وسط كل هذه المشاهد الزائفة ان يعتبر اصدقاء الجنرال وصفقاؤه انهم يقودون لواء استكمال الثورة!

أحمد منصور يكتب : منظمات مصر المشبوهة


سلط الحكم , الذي اصدرته محكمة جنايات القاهرة امس الاول الثلاثاء بالسجن من سنة الي خمس سنوات علي المتهمين في قضية التمويل الاجنبي الذين بلغ عددهم 43 متهما من الجنسيات الامريكية و الالمانية و مصريين يعملون في خمس منظمات اجنبية و يتلقون تمويلات من الخارج , الضوء علي الجمعيات و منظمات المجتمع المدني الغربية العاملة في مصر و التي لا يخضع كثير منها للرقابة .

هذه المنظمات التي تعمل تحت اغطية كثيرة باهداف تخص الممولين و الجهات التي وراءها و التي عادة ما تكون جهات استخباراتية او لها اهداف خاصة او مشروعات محددة الاهداف و المعالم كانت ولاتزال احدي ادوات التخريب واثارة الفوضي في مصر منذ قيام الثورة , لانه لا يوجد اي جهة في العالم تهب المال او تعطيه لاحد دون مقابل , ودون هدف واضح ومحدد يخص الجهة الممولة , و اي تبسيط في فهم هذا الموضوع او الحديث فيه يعني السذاجة و الغفلة .

فمصر تعرضت منذ قيام الثورة وحتي الآن لهجمة منظمة من قبل ما يسمي بالمنظمات الدولية العاملة في مجال المجتمع المدني , ونحن لا نعرف ما هي مصلحة هذه الجمعيات في ضخ عشرات الملايين من الدولارات من اجل تاهيل المصريين كما يقولون لممارسة الديمقراطية .

و لنا ان نتخيل ان ما يسمي بالمركز الجمهوري الدولي الذي حكمت المحكمة علي اربعة عشر من اعضائه بالسجن قد تلقوا من المركز الرئيسي في الولايات المتحدة 22 مليون دولار منها 18 مليون دولار في شهر مايو 2011 وحده , استفادوا منها كرواتب ومزايا عينية و الباقي انفقوه من اجل اجراء بحوث و دراسات و ندوات و تنظيم استطلاعات راي وورش عمل و دورات تدريبية لبعض الاحزاب و القوي السياسية و دعمها اعلاميا لحشد الناخبين لصالحها , و ان هذه الانشطة كانت غير مرخصة و تمثل اعتداء علي سيادة الدولة المصرية و كانت ترسل نتائجها اولا باول للجهات الممولة للتعرف علي توجهات الشعب المصري بعد الثورة .

اما المتهمون من الخامس عشر و حتي العشرين فقد تلقوا من المعهد الديمقراطي 18 مليون دولار منها 14 مليون دولار خلال شهر ابريل 2011 وحده , اما المتهمون من 30 و حتي 33 فقد اسسوا فروعا غير رسمية لمؤسسة فريدم هاوس و تلقوا اكثر من 4 ملايين دولار و هناك من تقاضوا مليونا و 600 الف يورو و هناك من تقاضوا ما يقرب من ثلاثة ملايين دولار .

هل من المعقول ان هذه الاموال حولت من اجل سواد عيون المصريين ام انها لعبت دورا مباشرا في صناعة الفوضي التي تعيشها مصر منذ قيام الثورة؟ كما ان السفيرة الامريكية سبق ان اعترفت بعد اشهر من قيام الثورة بضخ ستين مليون دولار للجمعيات الاهلية في مصر .

ان هذه الفوضي العارمة القائمة في مصر و المسماة منظمات المجتمع المدني يجب بعد هذا الحكم الذي سلط الضوء علي عملية الاختراق التي تتم لمصر وشعبها وتعمل علي بث الفوضي فيها ان توضع لها الضوابط و المعايير التي تحافظ علي امن مصر و سلامتها و الا فان كثيرا من هذه المنظمات ليست سوي ستار للجاسوسية و اختراق المجتمع و تخريب امن البلاد .

وائل قنديل : جمال عبد الناصر بين نسكة 67 و نهضتين


امة مستغرقة في الحروب علي الماضي كيف لها ان تتوجه الي المستقبل؟

من يتابع حروب الفضاء المشتعل بالكراهية و الغل وروح الثار و التشفي بمناسبة ذكري نكسة يونيو 1967 لا يمكن ان يتصور ابدا ان هذا شعب يريد الانعتاق من كراكيب الماضي , بحلوه ومره , خيره وشره , و القفز الي مستقبل محترم.

ومن اسف ان الجميع بدلا من ان ينشغلوا اكثر بتحديات المستقبل ومصاعب اللحظة الراهنة , وما يختص منها بحرب المياه التي تطرق ابوابنا بعنف , تجدهم مدفوعين بحماس اهوج الي التقليب في كتاب التاريخ القريب واستخراج ما يؤجج حالة الانقسام و الاستقطاب المجنونة التي تعطل الحياة في مصر الي درجة الشلل.

فريق مدفوعا بالرغبة في الانتقام الماضوي لا يري في جمال عبدالناصر الي نكسة 5 يونيو , وفريق آخر يري فيه الكمال المطلق , ويستدعيه للحرب علي الاخوان المسلمين واغاظتهم , دون ان يفكر احد في ان يعفي التاريخ و الحاضر و المستقبل معا من هذه المناكفات الصغيرة.

لقد كان جمال عبدالناصر صاحب تجربة هائلة في التاريخ , شهدت ما شهدت من نجاحات واخفاقات , وانتصارات وانكسارات , ولا ينكر الا جاهل او جاحد ان الرجل وضع مصر علي طريق نهضة حقيقية قبل 1967 , ثم جاءت النكسة لتقوض كل شيء وتكسر الحلم و الامل , لكنه ايضا هو من حاول وعافر حتي تنهض مصر من تحت ركام المرارة و العجز وتقف علي قدميها مرة اخري , وتستعد لرد الصفعة , فكانت حرب الاستنزاف التي بدات عقب هزيمة يونيو مباشرة , وهي الحرب الباسلة التي لم تاخذ حقها في كتابة التاريخ , وكانت المقدمة التي عجلت بانتصار اكتوبر 1973 , واثبتت ان النصر ممكن مادامت الروح لم تهزم او تنكسر فكانت درسا بليغا في الارادة و الكرامة الوطنية.

و الاهم و الابقي من الرموز و الزعامات ان الجندي المصري الذي انكسر في يونيو هو الذي انتصر في اكتوبر , وان الدماء التي روت رمال سيناء في الهزيمة هي ذاتها التي خضبتها في النصر , وانه لم يكن العبور ممكنا لو بقيت مصر منقسمة ومقسومة فريقين يتصارعان كالديكة بينما ذئاب وثعالب تمرح علي الابواب وخارج الاسوار وتستعد للانقضاض.

ولم تكن ثورة يناير 2011 لتنجح في عبور آخر من الاستبداد و التبعية و الفساد الي الكرامة الانسانية و العدل لو ان المصريين بقوا اسري ثارات الماضي ومعاركه بين اعضاء الاسرة الواحدة , ولم يكن بالامكان ازاحة هذا الديكتاتور لو لم تكن هناك روح ' اليد الواحدة ' و الانصهار في حلم مشترك يتجاوز التصنيفات و التقسيمات الفكرية و الايديولوجية.

و بالمعيار ذاته لن تستطيع مصر مواجهة اخطار الخارج ومكائد الداخل ممثلة في بقايا النظام الساقط اذا واصلت الرقص الماجن فوق صفيح الاستقطاب و الكراهية و الرغبة في الابادة.

فهمي هويدي يكتب : السكوت أيضا جريمة


يظل التعذيب نقطة سوداء في سجل اي نظام , فما بالك اذا كان ذلك النظام قد جاء عقب ثورة اسقطت رئيسا مستبدا واطاحت بدولته البوليسية التي مارست القمع بحق المجتمع طوال ثلاثين عاما علي الاقل , سادت خلالها انظمة الطوارئ التي جعلت الشرطة فوق القانون وفوق الشعب , وحين يري الباحثون ان التعذيب كان قاعدة من قبل الشرطة قبل الثورة لكنه اصبح استثناء بعدها فان ذلك لا يلغي الجريمة ولكنه يضيق من نطاقها , ويظل الاختلاف بين الوضعين محصورا في اطار الدرجة وليس النوع. ان شئت فقل ان ذلك لا يبرئ النظام ولكنه يبقيه في نطاق الادانة وان بدرجة اقل. كان يظل الفعل مجرما ولكنه يصبح جناية صغري بدلامن ان يبقي جناية كبري.

لذلك فانني اجد من المبالغة القول بان الوضع بعد الثورة لم يختلف عنه قبلها , لان الاختلاف قائم لا ريب , ليس فقط في حجم الجريمة ونطاقها , ولكنه اشد وضوحا في تعامل المجتمع مع التعذيب ومع الشرطة. حيث لا يستطيع احد ان ينكر ان المجتمع الذي كسر جدار الخوف اصبح اكثر جراة في التصدي لمثل تلك الظواهر السلبية , ومن ثم اكثر اصرارا علي فضحها وتصويبها وطي صفحتها. وكما ان الثورة اسقطت الفرعون وما عادت تسمح باستيلاد فرعون جديد , فانها ايضا اغلقت الابواب دون امكانية العودة الي الدولة البوليسية مرة اخري , وقد دفعت الثمن مقدما من دماء شهدائها لكي تحسم المسالة وتقطع الطريق علي احتمالات اعادة عجلة التاريخ الي الوراء.

السؤال الآخر الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو : هل التعذيب سياسة دولة , ام سياسة وزارة , ام سلوك لعناصر الاجهزة الامنية التي تربت اجيالها في ظل الطوارئ واطلقت يدها طوال ثلاثين عاما في الاعتداء علي حريات الناس وكراماتهم واعراضهم؟

اجد صعوبة في الاجابة عن السؤال , لان التعذيب في كل احواله يظل جريمة تحاسب عليها السلطة كلها , من رئيس الدولة الي اصغر ضابط او امين شرطة في الاجهزة الامنية. وحتي اذا كان رئيس الدولة لم يامر بالتعذيب فان احدا لا يستطيع ان يدعي انه لم يسمع به , ومن ثم فبوسعه ان يعلن بوضوح موقفا رافضا له , وان يدعو المؤسسات المعنية الي التصدي للظاهرة بكل السبل , سواء تمثلت في تعديلات القانون او اعادة هيكلة اجهزة الشرطة , او محاسبة المسئولين عن التعذيب. الا ان شيئا من ذلك لم يحدث حتي الآن , حيث لم نشهد موقفا سياسيا حازما ضد استمرار التعذيب , ولسنا علي ثقة من ان هيكلة الشرطة حققت المراد منها رغم الجهود التي بذلت علي ذلك الصعيد. كما ان الذين اتهموا بممارسة التعذيب برات المحاكم اغلبيتهم الساحقة , حتي مجلس الشوري لم نلحظ منه اهتماما بالموضوع من جانبه , رغم ان عددا غير قليل من اعضائه مروا بالسجون و المعتقلات وذاقوا مرارتها , واشك في انهم نسوا خبراتهم تلك خلال السنتين الاخيرتين.

ما سبق يجلعني اتفق مع ما ذهبت اليه الوثائق التي سبقت الاشارة اليها , و التي حملت السلطة بالمسئولية عن استمرار ظاهرة التعذيب , استنادا الي انها حتي اذا لم تامر به فانها لم تعمل علي ايقافه ولم تعلن موقفا صريحا يدينه ويستنكره.

ما العمل اذن؟ توفر وثائق المنظمات الحقوقية اجابات عدة عن السؤال , حيث تضمنت مقترحات لتعديل بعض مواد قانون العقوبات ' 7 مواد علي وجه التحديد ' خصوصا تلك التي تعرف جريمة التعذيب , لان النصوص الحالية تضيق من نطاق ذلك التعريف ولا تتفق مع الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب التي صدقت عليها مصر , وثمة مقترحات اخري لتعديل القوانين المنظمة لاستعمال القوة و السلاح من قبل رجال الشرطة. كما تضمنت الوثائق مقترحات لاعادة بناء الشرطة علي نحو يجعلها في خدمة المجتمع حقا , ومقترحات اخري حول ضمان استقلال النيابة العامة , و الفصل بين سلطة الاتهام وسلطة التحقيق , بحيث تحال سلطة التحقيق لقضاة مختصين بها مع الاحتفاظ للنيابة بسلطة الاتهام فقط.

الخلاصة ان بين ايدينا ثروة من المقترحات التي تحاول ازالة تلك وصمة التعذيب من جبين مصر , وهي في انتظار من يلتفت اليها ويستخلص منها علاج المشكلة , التي يعد السكوت عليها جريمة لا تختلف كثيرا عن جريمة الفاعلين. ناهيك عن ان الساكتين لا عذر لهم اذا طال صمتهم. واذا فعلوا ذلك فاننا نعذر اذا ما جهنا اليهم اصابع الاتهام ايضا , باعتبار ان السكوت يمكن ان يكون من علامات الرضا.